خواطر نثرية

الشمس تشرق أيها الحاتم

الدكتور حاتم حسن يكتب .. الشمس تشرق أيها الحاتم

إعلان

أعلم تماماً أنكي ستدركين معني لكلماتي الملقاة على حافة غرورك يوما ما .. حين يعلن الرحيل عن سحر جمالك الحالي الذي أزهقتيه كثيراً أمام مرايا الغرور المتراكمة بين أرجاء روحك العانسة أعدك بأنكي ستنظرين من وراء مرايا الأيام لتتحسري كثيرا …

عن حسنك فيما أفنيته وسواد شعرك الغجري اللامع فيما أبليته … تذكرين حين كتبت أول حرفين لك ذات مرة ؟

لم تسمحي لسلطان اهتمامك الذي عبس وتولي أن يسترق السمع لبضع لحظات بل كانت أصابع كبرك في أذانك .. وها أنتي اليوم قد ضرب علي سمعك بسوط الذكريات البعيدة لتتذكري

كلماتي المقتولة لبضع سنين … ليت لي سلالم أعتلي بها إلي مدينة بابل قلبك لأتعلم فن السحر وهاروت حسنك قد علا ماروت غرورك نعم ستعيدين عجلة الذاكرة يوماً ما .!

لتندبي حظك العاثر لتعضي علي أنامل الحسرة لأنك لم تسمعي أنين ناي حروفي وستهزمك جيوش طيفي كل حين كي تذوقي مرارة العذاب حين كنت في ريعان شبابك

ليت قلوبنا غرقت تحت أنقاض سفينة تيتانيك العملاقة عندها أنتظرك هناك عند أول البدايات الأولى ستجدين قلب لا يعرف الحقد ومن يعرف الحب يوماً ليس بإمكانه أن يعتريه الحقد ، فالله سبحانه يحبنا رغم كثرة ذنوبنا فهو يحبنا يعطينا كل ملذات الحياة وهذا هو الفرق وإبليس يعطينا كل مرارات الحياة ليتنا نرتقي بإحساسنا يوماً ما ونبايع قلوبنا على الحب والسلام والوئام ….

نحن نعترف أننا كم كنا فاشلون في صنع كعكة الحب بيننا فلا نار شوقي تحرق عجين برودك الساخر من لهيب احتراقي… ولا يلتصق رغيف حبك بأطراف تنور عشقي ..

هيا انهضي يا نفس واجمعي حطب الكلمات كي نشعل الفراغ الذي يعترينا نارا من الأشواق ، لتضيء لنا ساعات الوداع الذي عبرناه بالأمس حين ارتكبنا جريمتنا معا بإجهاض أوقاتنا الحلوة من رحم الذكري… آه لو تعلمين ما هو أشد الحرمان مرارة ؟ ، عندما يناديكي قلبي ولا تستجيبي لندائه الذي ملئ المكان ضجيج يرطم كل زاوية نائمة في داخلي المستيقظ… كم أدمنتك طويلاً حتي باتت نفس الهزيلة لا تستجيب لمهدئات النوم الموصوفة لي …. رغم كل التداعيات المتمردة بداخلي المنكسر… فكما تعلمين أو لا تعلمين…

فأنا ذاك الجندي المهزوم الهائم الحائر الذي سقطت تحت جنود رموشك مدينة أحلامي… فلم أعد ذاك الفارس المحارب الشرس المغامر … فقبل أن تصدري حكمك الجائز… بحق ذاك القلب الكسير المهاجر … امنحيني ولو للحظة إستراحة مسافر… كم رميت شباك يأسي في بحرك الهادر ، وأسدلت عن مسرحية العشق الستائر …كم أخفيت عنكي حزني يوم تبلي السرائر … وكم تسكعت ثملا أندب حظي العاثر…ليتكي كنت لي ليلي وأكون ذئبك الماكر… فلملمي ما استطعتي من أوراق ودفاتر … والقيها في اليم البعيد دون خوف … سيلتقطني عدو بؤسك فحينها سأغادر …

لا تحزني بعدها علي ما أسرفتي بحق جرحي ، فلن تكوني شهر زاد حكايتي ولن أكون لكي شاعر …

لا تندبي للمرايا ضياع جمالك بعد رحيلي فكل المرايا قد علمت بعنفوان كبرك حين كنت يوما أمامك أنتظر ورقة العبور إلي حيث لا نهاية … فكل أرقام العمر تبدلت اليوم … لن ينفع الرجوع إلي سنون قد مضت وتآكل عظمك النخر… فانظري جيداً لجيوش الشيب كيف بها وقد غزت شعرك السرمدي… وكم حفرت بوجنتيك الوردتين من أودية وخط استواء قد تغلغل تحت عيناكي..

رغم ذلك … لن أهزم عند أسوار حصنك المتعالي .. ستبقين صندوق روحي الأسود… وستبقين ليلي الحزين أنتي … كم تمنيت أن تلميني من وحشة العمر … كم تمنيت أن تضمي قهوتك إلي قهوتي… كم تمنيت أن تطيري بي فوق أغصان الأماني.. كطائرا يحاكي بجناحيه وجه الصباح الباكر..

ليتكي انتظرتي قليلاً قبل أن ترحلي بصمت تحت المطر .. وتركتيني وحيداً ، أعد حبات المطر واحدة تلو الأخري.. ونسيت أني معطفك الدافئ الملقاة على أكتافك..

عودي ولو لمرة واحدة كي أكتب جملا بين الصفحات يقرأها الناس عن فراشة لم تطأ بجناحيها زهرة عمري ..

عن حكاية برد وحنين وغياب … عن شعور غريب يرسم بحنينه وطن بلا هجرة بلا سفر بلا اغتراب … وكم هي أصعب وأعمق هجرة الروح… لم أعد قادراً علي الاتكاء فوق كتف الكتابة… ويدي ترتعش خوفاً من صهيل الأقلام … وصراخ المحابر…

دعيني أرقد بهدوء تحت ظلال عيناكي كعصفورا خائف من زحف ثعبان الفراق المكابر… عودي مرة أخري بل مرات … فكل الطرق تؤدي إليكي …

يا امرأة ذرفت عيناي دمعتين فوق فستانها الأرجواني.. دمعة في بداية العمر .. ودمعة في النهايات…

كم بوحت لكي بضعفي وليتني أدركت سر التحولات.. أرجوكي لا تحرقيني في النار فما زالت جراحي تردد يا نار كوني برداً وسلاماً …

فجدار روحي يريد أن ينقض فأقيميه وإن شئتي اتخدي عليه أجرا… ولا ترمي قلب في بحر الهوي أخاف أن يلتقطه النساء ويصبح فؤادك فارغ يوم ما … قد حرم عليه جميع المراضع إلا أنتي….

ولا تثقبي سفينة الذكريات كي تغرقي الأشواق كلها … فلحظة الموت لم تعد حية في جوفي فخفقات قلبي بألف سنة مما تعدين…

يا من لبثتي في كهف وجداني ثلاث مائة عام وازدادو تسع … فأبني علي إطلالي بنيان فربك أعلم بما لبثتي..

فاعشقي ما شئتي من رجال الهوي وخوضي كل التجارب… عندها ستعلمين ما الفرق بين جارية وملكة ..

توجتك بتاج وأعلنت للملئ بلقيس في عرش قهري.. وألبستك بحروفي سواري كسري وزينب عنقك أخلاص بقلادة ملكة الروم (زنوبيا)…

لا تأخذكي العزة فكل أصنام البعد قد حطمتها… وبنيت في ساحات عمرك معبدا لزاهدا متعبد…

فالموت حتماً سنلتقي به سويا… وهناك تحت سدرة الأحقاف ستجمعنا أمانينا… فكم وقفنا علي عتبات السنين دون أن نعلم لقاء يوما هذا …

ويوم ينادي المنادي ويحصل ما في الصدور ويبعثر ما في القبور … ستجديني أنتظرك بشوق عند نهاية الصراط المستقيم… وبيدي وردة صفراء فاقع لونها .. وفي فمي أول كلمة همستها في مسمعك… في ذاك اللقاء الأول … حين أخبرتك أن الشمس ستشرق من جديد ولكنك نسيتي أن تلك الشمس قد أشرقت من خدك الأيسر هل ما زلتي تذكرين ….

لا تطيلي النظر إلي المرآة فما زال هناك متسعاً شاسعا لمساحات العشق بيننا ولا زلتي طفلة الروح التي تملئ كل زوايا حياتي الفارغة… ما زال هناك شخص يجلس عند الغروب يراقب الشمس التي تشرق من عينيكي مرتين …

( الشمس تشرق أيها الحاتم )

بقلم د حاتم حسن

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى