أخبار العالمخبر عاجل

المستشار الإعلامي الأسبق للسفارة المصرية بالصين لـ”ع المكشوف”: يوجد تنافس صيني أمريكي روسي أوروبي داخل القارة الأفريقية على كل المستويات

إعلان

مشروع ممر “لوبيتو” يعود تاريخه إلى الحقبة الاستعمارية في أفريقيا

“لوبيتو” سيعمل على ربط موانئ الكونغو وأنجولا وزامبيا التي تملك احتياطات هائلة من الكوبالت والليثيوم والنحاس

أمريكا والاتحاد الأوروبي يسعون لتحديث البنية التحتية الحيوية في جنوب الصحراء الكبرى

واشنطن تركز على التوسع الجديد لخط السكة الحديد الذي يمتد بين أنجولا وزامبيا

تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى كسر هيمنة الصين على معادن القارة

الاستثمارات الصينية تسهم في زيادة النمو الاقتصادي للدول الأفريقية

بكين تمتلك رؤية تنموية واضحة ومتشاركة بعكس واشنطن وأوروبا

أمريكا والغرب تتفوقان في التموضع الاستراتيجي العسكري داخل القارة

الصين تعمل على ربط وسط أفريقيا بطريق الحرير عبر مبادرة “حزام واحد .. طريق واحد”

“الحزام والطريق” تهدف لربط الصين بوسط وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا

القارة السمراء تسهم في حل مشكلة نقص المعادن على مستوى العالم

واشنطن تواصل تأثريها الفعال داخل أفريقيا عبر مستويات متقدمة من البراجماتية

الدول الأفريقية يمكنها الاستفادة من الدعم الفني الأمريكي التكنولوجي والتمويل الصيني في البنية التحيتة

حوار – شريف ربيع

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمتي “مجموعة السبع” ثم مجموعة “الـ20” بنيودلهي يومي 8 و9 سبتمبر الماضيين عن خطط للاستثمار في مشروع جديد للسكة الحديد تربط المناطق الغنية بالنحاس في زامبيا والكونغو بميناء “لوبيتو” الأنجولي، وتخطط أمريكا لتوجيه موارد القارة السمراء عن طريق “لوبيتو” بدلًا من الطريق الشرقي عبر ميناء دار السلام في تنزانيا.

في هذا الصدد، “ع المكشوف” يحاور الدكتور أحمد سلام، رئيس الإدارة المركزية الأسبق بدرجة وكيل وزارة بالهيئة العامة للاستعلامات، والمستشار الإعلامي الأسبق ورئيس المكتب الإعلامي التابع للسفارة المصرية في بكين؛ للوقوف على الأغراض الأمريكية من هذا المشروع وتلك التحركات داخل القارة الأفريقية .. وإلى نص الحوار:

بداية .. هل يمكن إعطائنا لمحة عن تاريخ هذا المشروع؟
إن تاريخ مشروع ممر “لوبيتو” يعود إلى الحقبة الاستعمارية في أفريقيا، وقد حظي بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وتضمن الشراكة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تحديث “البنية التحتية الحيوية” في جميع أنحاء منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا لفتح “الإمكانات الهائلة” لهذه المنطقة.

والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكدا استعدادهما دعم تطوير الممر، مع التركيز على التوسع الجديد لخط السكة الحديد الذي يمتد بين أنجولا وزامبيا، واقترح الاتحاد الأوروبي إطلاق دراسة جدوى لخط السكة الحديد، وهي دراسة أجريت بالفعل أثناء عهد المستعمرين البرتغاليين، وتخطط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لاستكشاف التعاون في مجالات الاستثمار في البنية التحتية للنقل وتسهيل التجارة، ودعم تشجيع استثمار رأس المال في أنجولا وزامبيا والكونغو الديمقراطية على المدى الطويل.

ما مدى تأثير ذلك على الاستثمارات الصينية داخل القارة السمراء؟
تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى كسر هيمنة الصين على معادن أفريقيا من خلال إبرام شراكات مع أبرز الدول المنتجة في القارة؛ لتأمين احتياجاتهم خلال السنوات المقبلة؛ وذلك بهدف تنويع مصادر توريد الموارد الرئيسة، ومواجهة استثمارات الصين الضخمة في مجال البنية التحتية بعدد من الدول، بما في ذلك أفريقيا.

والحقيقة المؤكدة أن الاستثمارات الصينية تسهم في زيادة النمو الاقتصادي للدول الأفريقية، خاصة من خلال الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية والعمل بمبدأ المصلحة المشتركة أو المنفعة المتبادلة ، والاستثمارات الصينية في أفريقيا تسعى إلى النفاذ للسوق، بدلًا من التصدير؛ فإن إسهام الاستثمار الصيني ليس في تعزيز صادرات أفريقيا، ولكن في توفير وصول أوسع إلى سلع أرخص للمستهلكين الأفارقة.

إلى أي مدى يستمر الصراع الصيني الأمريكي داخل أفريقيا؟
استطاعت الصين أن ترتكز استراتيجيًّا في أفريقيا وتحقق مكاسب استراتيجية عبر استثماراتها في البنية التحتية والتعدين وفق رؤيتها التي أعلنت عنها وهي “مبادرة الحزام والطريق” (حزام واحد .. طريق واحد)؛ لذلك تمتلك الصين عنصر تفوق يتمثل في امتلاكها رؤية تنموية، بالمقارنة مع أمريكا وأوروبا واللتين تفتقران لرؤية تنموية واضحة ومتشاركة.

ورغم الخطوات الواضحة التي اتخذتها الصين خلال العقدين الماضيين داخل أفريقيا في جميع القطاعات والمجالات، لكن الحضور الأمريكي ومعه الدول الأوروبية لا يزال فاعلًا وقادرًا على مجاراة الصين واللحاق بها، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات وبناء الشركات، لكن ذلك سيتطلب بلا شك رؤية سياسية مغايرة عن التي كانت تنتهجها في سياساتها الخارجية مع الدول الأفريقية.

قد يُنظر إلى تحركات الصين في أفريقيا فيما يتعلق بالديون والاستثمارات على أنها نموذج استثمار كبير وعالي المخاطر من قِبَل أمريكا، لكن في الحقيقة تستخدم الصين هذه الديون أدوات قوة لتعظيم حجم تأثيرها ونفوذها في الدول الأفريقية؛ فالصين تستفيد وتفيد من المشاريع التي تنفذها بتلك القروض في تحقيق أهدافها طويلة الأجل المتمثلة في مبادرة “حزام واحد” الذي يهدف لربط وسط أفريقيا بطريق الحرير.

في المقابل نجد أن أمريكا والغرب تتفوقان في التموضع الاستراتيجي العسكري في القارة أو حولها؛ ما يجعلهم يملكون عنصر المبادرة عند وجود تهديدات لمصالحهم.

ما أهمية مشروع ممر السكك الحديد “لوبيتو” من الناحية الجيوسياسية بالنسبة لأمريكا؟
يتضح التنافس الجيوسياسي بين الدول الكبرى ( الولايات المتحدة، الاتحاد الأوربي، الصين، روسيا…)، وأدى هذا التنافس إلى إعلان الدول الغربية إطلاق هذا المشروع ممر “لوبيتو”، ويمكننا تفسير الاهتمام الأمريكي والأوروبي بدعم هذا المشروع في إطار مواجهة النفوذ الصيني المتمثل في مشروعها الاستراتيجي التنموي؛ وهو مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني “شي جين بينج” في عام 2013م. وتسعى الصين حاليًّا إلى إدخال المزيد من التعديلات على تلك المبادرة حسبما أعلن الرئيس الصيني في الاحتفال بالمنتدى الثالث لـ”الحزام والطريق” في شهر أكتوبر الماضي.

وتستهدف مبادرة “الحزام والطريق” التي تمثل أكبر مشروع عالمي تنموي للبنية التحتية على الإطلاق؛ ربط الصين بوسط وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا؛ لتشكل ما يسمى بـ«حزام واحد .. طريق واحد»، وقد أكدت المبادرة تمويل وتدشين الطرق ومحطات الطاقة والموانئ والسكك الحديدية والبنية التحتية الرقمية. وتمول الصين -من خلال المبادرة- البنية التحتية فى جميع أنحاء العالم بما يصل إلى تريليون دولار أمريكى.

جاء الإعلان عن مشروع ممر “لوبيتو” بدعم أمريكى وغربي، في الوقت الذي تشهد فيه القارة الأفريقية تنافسًا شديدًا بين القوى الدولية؛ حيث يعكس المشهد الأفريقى حالة من التنافس الصينيي والأمريكي والروسي والأوروبي، سواء على المستويات الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية. ومن الملاحظ أن الإعلان عن مشروع ممر “لوبيتو” جاء بعد انضمام دولتين أفريقيتين هما مصر وإثيوبيا لمجموعة “بريكس”، كما وافقت مجموعة الـ20 على ضم الاتحاد الأفريقي؛ وهذا يعد دلالة على مساعي الدول الكبرى لكسب القارة الأفريقية في صراعها على النفوذ.

ولاشك أنه رغم التحولات الدولية الجارية، ومحاولات ظهور أقطاب جديدة على الساحة الدولية، إلا أنه لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على مواصلة تأثيرها الفعال أفريقيًّا.
نجد اتفاق الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي بضخ استثمارات ضخمة لتشييد خطوط سكك حديد بين أنجولا وجمهورية الكونغو الديموقراطية وزامبيا. وأتى ذلك بعد إعلانهما المشترك، على هامش قمّة «G20»، دعمهما “ممر لوبيتو” الذي سيعمل على ربط موانئ الدول الأفريقية الثلاث التي تملك احتياطات هائلة من الكوبالت والليثيوم والنحاس.

وهناك دول عديدة معنيّة بالممرّ، ومن بين هذه الدول الهند، والسعودية، والامارات العربية التي سيتيح لها “ممر لوبيتو” الوصول إلى المعادن المهمة مقابل توفيرها التمويل والقوة البشرية التي تساعد على نجاح هذا المشروع، وأيضًا سيكون لواشنطن وحلفائها يد نافذة في استغلال موارد الدول المشار إليها، (تُقدَّر الثروة المعدنية في الكونغو بما قيمته 24 تريليون دولار).

ومن المتوقع أن يترتب على هذا المشروع الاستراتيجي في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، عدد من الانعكاسات المحورية على عدد من الأصعدة، حيث ترى أمريكا والغرب أن أفريقيا تسهم في حل العديد من المشكلات، منها علي سبيل المثال “النقص العالمي في المعادن”، التي ستكون ضرورية مستقبلًا إذا كان العالم يريد تحقيق أهدافه المناخية بالتحول نحو الطاقة النظيفة؛ ومن ثمَّ قد يكون الطلب على العناصر الأرضية النادرة والمعادن الموجودة في الأجزاء الباطنية المستخدمة في كل شيء، من مغناطيسات توربينات الرياح إلى الطائرات المقاتلة، أعلى بـ7 أضعاف نهاية العقد المقبل؛ ويعد هذا النهج جديد تمامًا للاستثمار الكبير في البنية التحتية.

كما يمكن أن يؤدي مشروع الممر إلى الحد من تأثير الصين الضخم في سلاسل التوريد. إضافة إلى محاولاتهم الحد من نجاحات مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس “شي” في عام 2013م والتي أنضمت لها قرابة 150 دولة وخمسين منظمة دولية.

هل تُعيد واشنطن صياغة سياساتها الأفريقية؟
رغم التحولات الدولية الجارية، لا تزال واشنطن قادرة على مواصلة تأثيرها الفعال أفريقيًّا عبر قنوات خارجة عن الدبلوماسية التقليدية، وسط محافظتها على مستويات متقدمة من البراجماتية؛ دلَّ عليها مثلًا تفاديها وصف ما حدث في النيجر من عزل للرئيس محمد بازوم بـ”الانقلاب”؛ حتى لا تضطر إلى قطع مساعداتها العسكرية والاقتصادية لهذا البلد الذي يمثل أحد أبرز حلفائها في غرب أفريقيا. ولربما يمكن النظر إلى السياسات الأمريكية الراهنة في أفريقيا على أنها تتسق مع مجمل رؤية واشنطن القائمة على إقامة علاقات بنيوية مع أغلب نظم الحكم في القارة، وتفهُّم عمليات صنع القرار وتنفيذه داخل هذه الدول.

كيف تستفيد الدول الأفريقية من هذا الصراع؟
هناك العديد من جوانب الاستفادة الإيجابية للدول الأفريقية، نذكر منها الاستفادة في مجال البنية التحتية والصناعة بأنواعها المختلفة، من صناعة البتروكيماويات والنفط إلى الصناعات الغذائية والدوائية، وإنشاء الطرق؛ فبينما اشتهرت الولايات المتحدة بتقديم الدعم الفني والتدريب والمعاهد العليا ومراكز البحوث الصناعية، تقدم الصين الدعم في البنية التحتية من طرق ومستشفيات وسكك حديدية وشبكات كهرباء؛ وكل ذلك يؤدي بدوره إلى القضاء على البطالة ورفع مستوى المعيشة للمواطن الأفريقي.

أما الجانب الآخر للاستفادة الأفريقية من أمريكا والصين، فهو مجال الرعاية الصحية ومكافحة الأوبئة؛ فقد كان للدعم الطبي الصيني والأمريكي دور كبير في مكافحة أمراض مثل (الملاريا، والإيدز، وإيبولا) ومؤخرًا فيروس “كورونا”؛ فقد أُنتجت اللقاحات ووزُعت على مستوى العالم، إضافة إى الدعم الفني واللوجستي للمستشفيات ومراكز العزل في الدول الأفريقية الأكثر تأثرًا بالأوبئة.

في النهاية آمل أن تستفيد الحكومات الأفريقية من هذا التنافس في تطوير القارة التي تحتاج لبنية تحتية، وتوفير الكهرباء، وشبكات الطرق والسكك الحديدية، وآبار المياه، والمؤسسات الصحية؛ لتتطور لاحقًا إلى توفير التدريب الفني والمعاهد الصناعية، وتدريب الأطُر الوطنية في مجالات الإدارة العامة والحوكمة ومكافحة الفساد؛ وهي كلها مجالات تعاني أفريقيا من تخلُّف شديد بها، وتحتاج لدعم فني ومالي من كلتا القوتين.

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى