أخبار العالمأخبار مصراقتصادالعرب والعالمبورصة الرأيتوك شوخبر عاجلسياسةمقالاتمقالات

حسام السيد النجار يكتب: تمرد “فاغنر” حقيقة أم مسرحية سياسية؟

إعلان

بقلم: حسام السيد النجار

فلاديمير بوتين خدع الجميع مجددًا ونفذ مسرحية مع طباخه الأمين ليقطف الرؤوس ويقلب الموازيين، وربما قد يكون نفذها بمخطط من استخباراته واستدرج قائد فاغنر يفغيني بروغوجين حتي تأخذه العزة بالإثم وينفذ ماخطط لة سيد الكرملين؛ دون أن يعلم حتي لو كاد أن يكون الثمن رأسة بعد دخول قديروف المعركة وارسال قوات أحمد الشيشانية لوأد تمرد فاغنر، قبل أن يتم الأعلان عن قبول بروغوجين مبادرة الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو ليعيد مقاتلي فاغنر إلي قواعدهم من أجل حقن الدماء الروسية علي حد قولة، ولاكن بالطبع مقابل ضمانات أمنية كبيرة لميليشيا فاغنر.

إلا أن هذا لم يحل دون أن يذهب الغرب الي فرضيّة أن روسيا تعيش فوضي عارمة حقًا وأن قبضة الرجل الحديدي انفلتت وربما سيضحو به قريبًا، سواء بخطأه عندما مدّ الحبل لقائد ميليشيا فاغنر أو بتخطيط من أعدائه بالغرب، وخاصة ما تسمي بالدولة العميقة في أمريكا، فالغرب الشامت ترقب وراقب كل ما حدث بفرح وما كان غير ممكن في حلم أي عدو لفلاديمير بوتين رأؤه حقيقة علي الأرض بأم الأعين، عندما كانت أرتال الدبابات وأسراب الطائرات متجهة الي موسكو، إضافة إلي انشقاقات هنا وهناك من أفواج روسية ألتحقت بميليشيات فاغنر المتمرده وسمعوه بتصريحات من رجل كان في الأمس الطباخ والحليف ثم أنقلب في لحظة إلي عدو مبين طعن بوتين في ظهرة غدرا كما قال سيد الكرملين.

بينما لم يتردد قائد فاغنر يفجيني بروغوجين الذي أعلن التمرد، بأن يعلنها صراحةً (لقد أخطأت يابوتين) قبل أن يعود زعيم فاغنر إلي بيت الطاعة وينسحب بجنوده إلي حيث أرسله سيده في الكرملين حينها كان لزامًا علي الجميع التفكر بأن هذا فقط ما تبدا وربما مازال وراء الأكبه ما ورائها، فالأسئلة كثيرة والتوقعات تتقاطع هنا وتتضارب هناك فإن كان ما حدث هو إنقلاب حقًا علي بوتين، فلماذا وصل الحال بروسيا إلي تمرد فاغنر؟.

وما هي السيناريوهات المتوقعة بعد فشل الانقلاب؟ وأي أنعكاسات له علي حرب أوكرانيا وعلي الداخل الروسي؟ وهل كان الغرب متفرجًا أم أنه بطل الحكاية منذ البداية؟ وبعد أن انتهي الأمر بالتفاوض وحل القضية بأنصاف الحلول.. هل هذا يعني أن ما حدث حقا كان مسرحية مخابراتية بوتينية؟

في وقت يمكن اعتبار زحف قوات فاغنر بأوامر زعيمها بروغوجين نحو موسكو حدثا جللا وصاعقا، إلا أن هذه الخيانة والطعنة بالظهر علي حد وصف بوتين قد بدأت فعليا قبل يوم من الزحف عندما نشر زعيم فاغنر مقطعا مصورًا يتهم فية وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف بقصف مركز لقواته وهو ما نفته وزارة الدفاع الروسية، لكن هذا لم يكن كافيًا ليتراجع قائد فاغنر عن تحدي سلطة بوتين المطلقة، ورغم أن بروغوجين قد اعتداد أن يهاجم جنرالات بوتين ويشتمهم بأفظع الألفاظ، إلا أن بوتين ظل متفرجًا علي هذا التناحر الداخلي بين قواتة التي تحارب في أوكرانيا.

ولطالما كانت التفسيرات لصبر بوتين علي تلك الإهانات لقائد فاغنر لجنرالاته بأن سيد الكرملين يستخدم فاغنر وزعيمها كقوة موازية لقيادات الجيش، حتي يقطع الطريق علي أي منهم في الإنقلاب علي الرئيس حتي جاء اليوم الذي بات حامي الرئيس حرامية، وربما كاد أن يكون قاتلة حينما خرجت الأمور عن السيطرة وتجرأ بروغوجين علي التحرك نحو الأنقلاب علي بوتين.

ما فتح الباب علي أحد احتمالين بحسب محللين رأؤه أنه إما أن بروغوجين لاعب في مسرحية بوتينية استخباراتية هدفها تمكين بوتين من الإطاحة ببعض الرؤوس حوله أو الإلهاء عن مخطط خطير لضربة غير تقليدية في أوكرانيا، وأما أن بروغوجين كان واثقا من شعبيته السياسية في روسيا وأنه يوجد لديه أنصارًا في مستويات قيادية عليا أعطته الجُرأة لتنفيذ انقلابه.

وفي حال كان السيناريو الأول، هو ماتم نسجه في الكواليس، فإن ما حدث من مفاوضات وإقناع بروغوجين بالعدول عن انقلابه، إنما كان لتقوية بوتين عبر أنهاء التمرد في اللحظة التي أعتقد الجميع أن الحرب الأهلية ستحطم روسيا، وذلك بحل وسط عبر عفو بوتين عن قائد فاغنر النادم عن خطأه وأعطائه بعض الضمانات بينما يتمكن بوتين من قطف رؤوس أعدائه في الداخل والإطاحة بهم مع تنفيذ هجوم كبير وكاسح في أوكرانيا بعد أن أعتقد الغرب أن سلطة بوتين قد انهارت أو انتهت.

أما السيناريو الثاني، الذي يميل إليه العديد من المحللين بأن قائد فاغنر اعتقد أنه قادر علي الضغط علي بوتين للإطاحة بأعدائه قبل أن يفاجئه رئيس روسيا باعتبارة خائن ومتمردًا ما جعله أمام خيار واحد وهو العودة إلي بيت الطاعة البوتيني، لأن البديل هو ما يجعله خائن أمام كل الروس؛ حال وضع يده بيد الغرب الذي بدتّ بهجته وشماتته كبيرة بما يحدث في روسيا بعز حربها.

ورغم اكتفاء قادة الغرب بتأكيد أنهم يراقبون عن كثب ما يحدث في روسيا، إلا أن إعلام الغرب أظهر كل الفرح، ووصل حد الحديث عن أن التمرد المسلح الذي شنته قوات فاغنر لم يكن تصرف تلقائيا أو وليد الصدفة؛ بل كان تأكيدًا لوجود قنوات تواصل خلفية بين زعيم فاغنر وبين الإدارة الأمريكية، خاصة وأن بروغوجين أستبق تمردة بالحديث عن أن حلف الناتو لم يكن يخطط لشنّ أي هجوم علي روسيا وأن الحرب قامت علي كذبة من جنرالات بوتين.

ورغم أن الغرب كان يعلم تمامًا بأنه مستحيل انتصار ميليشيات فاغنر علي الجيش الروسي في ظل التفوق الكاسح للجيش وإعلان رئيس الشيشان رمضان قديروف دخول الحرب وارساله لآليات عسكرية محمله بمقاتلي قوات أحمد الشيشانية، لأنها تمرد قوات فاغنر وسحق قائدها بروغوجين، لكن الغرب مازال يراهن علي أن مثل تلك الهزة الكبيرة لبوتين تؤكد مجددا أنه يواجه خطر فقدان قبضته علي السلطة فحتي بعد أن فشلت ثورة فاغنر المسلحة، كما تسميها تقارير الغرب فإن رئاسة بوتين ستغدو في حال غير مسبوقة من الضعف جراء تضرر سلطته وهزّ صورته كزعيم ملطق وبداية خسارته الحتمية وحربه في أوكرانيا التي بدأ جيشها بحسب الأنباء يتقدم في الجبهات.

وخلاصة القول، فإن بوتين فيما يبدو قد خسر ثقته بميليشيات فاغنر رأس حربته في هذة الحرب والتي من المتوقع أن تحل مستقبلا ويلحق جنودها بالجيش أو أن تعاد هيكلتها ما سوف يضعفها؛ بل لأن رئيس روسيا سيفقد أيضًا سيطرته المُطلقة علي جنرالاته وجيشه لكسب المعارك؛ إضافة إلي الأثر الهائل والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي ستمني بها روسيا مع تصعدع الأمن وعرقلة إمدادات الطاقة وانهيار الموسم السياحي ما يشي بأن كل السيناريوهات قد تعود بالوبال علي بوتين، إلا إذا كان ما وراء الأكمه هو ما طبخه بوتين وإذاقة لطباخة المتمرد.

حسام السيد النجار

كاتب وباحث في العلاقات

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى