خواطر نثرية

حاتم حسن يكتب .. رسالة أخيرة إلى ” حبيبتى ” قصة قصيرة

رسالة أخيرة إلي حبيبتي .. كتبها الدكتور حاتم حسن

إعلان

أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكي

حين تقرأينى ، سأكون محلقاً فى الهواء ، مسافراً إلى أرض لا تعرفك ولا تعرفنى ، مسافر إلى بلاد لا تحمل لنا ذكريات ، أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .

اقرأينى حين يهل المساء ، فخيوط الليل أكثر مغفرة .

اقرأينى لا بعينيكِ ، ولكن بقلبك الذى منحنى فى ليلة حب العمر .

اقرأينى فى لحظة هاربة من الزمان ، والمكان ، تمنيت أن أقضيها معكِ .

منذ لقائنا الأول ، أدركت نوع الحب الذى يجمعنا ، سافرت علنى أشفى منكِ ، لأعفى قلبينا من عشق لا يرويه لقاء ، لا يشبعه وصال ، لا يداويه إلا الموت .

سافرت لأحرركِ من وعود لم تنطق بها شفتاكِ ، وعسى الحرمان منكِ وأنتِ بعيدة ، أهون من الحرمان وأنتِ قريبة .

جربت معكِ كل شىء ، وفشلت ، ولم يتبق لى إلا الرحيل ، أكتب إليكِ لأننى لا أجيد لحظات الوداع . هل تتذكرين لقاءنا الأول ؟

كُنت أرتدى حسرة أمنيات تزورنى دوماً فى الخريف ، وكنتِ ترتدين لون البحر .

شىء ما دفعنى إليكِ .. شىء ما جعلك تتوقفين عن خطواتك ، انطلقت بيننا الكلمات ، كأننا كنا على ميعاد ، أعجبتينى منذ اللحظة الأولى ، كم من المرات استدرجتنى الانطباعات الأولى ، إلى ما لم أتوقعه ، أو أتخيله ، لكننى لا أتعلم ، وأطيع ما تنبئنى به .

إنطباعى الأول عنكِ يفجر حُب فضولى ، ويوقظ فى قلبى رعشات دافئة نسيتها منذ زمن ، أعرف جيداً تلك الرعشات التى تهز القلب ، إنها بدايات أفراح عصية المنال ، وعبير أشجان تأنس لها الروح .

سألتينى : ” هلى نكون أصدقاء ؟ ” .

همست بينى وبين نفسى : ” أنتِ أجمل من أن تكونى صديقتى ” .

” صديقتى ” .. امرأة مثلك محال أن تجمعنى بها الصداقة .. فأن تكونى صديقتى ، معناه نوع من الحياد العاطفى .. وكيف أكون محايداً تجاهكِ ، وكل ما فيكِ يقتحمنى دون منطق ، دون إعتبار لوقارى المعهود ؟ . وإذا أصبحت ُ على حياد مع شفتيكِ ، فأين أذهب من عينيكِ ؟ .

حينما أقابل إمرأة وأبقى كما أنا فى حالة آمنة ، سالمة ، أقول لها ، ” كونى صديقتى”.. أما ” أنتِ ” ، أنتِ الخطر اللذيذ طال بحثى عنه بين النساء . أنت ِ البركان المشتعل ، أهفو للارتماء فيه ، وأنتِ ومضة الجنون ، أتوق إليها ، ليصبح للتعقل معنى ، ومُبرر ،
على ورقة شجر صفراء ، كتبت لكِ رقم هاتفى ، بلمسة حانية ، أخذتِ مِنى القلم ، وعلى خطوط يدى ، كتبتِ لى رقم هاتفك .

قلتُ لنفسى لو مرً المساء ، دون أن تكلمينى ، فسوف ألفظك من خيالى ، دقت الساعة منتصف الليل ، وجائنى صوتكِ المُفعم بالأسرار .

ربما تتساءلين ، لماذا أعود بكِ إلى الماضى .. لم لا أكتفى بكلمات الوداع ؟ .

أحتاج أن أتذكر البدايات ، لأحتمل النهاية .. أحتاج أن أكشف ذلك العاشق داخلى ، الذى منعك كبرياؤك أن تفكى رموزه ، يدهشك رحيلى المفاجىء .. أعرف ، تتسائلين كيف أرحل بهذه السهولة ، و” ما بيننا ” فى أحلى حالاته ؟ ، كيف أرحل ، وملامحكِ الشهية مقيمة على جلدى أينما ذهبتِ؟..

حاولى أن تفهمينى ، وتدركين المأزق الذى وقعنا فيه ، أنا وأنتِ ، ” ما بيننا ” ، ولنتقبل الأمر ، شىء غريب ، علاقة ليس لها عنوان ، وأنا تعبت من ترحال الغربة ،
فيها من الحب ، وليست حباً .. فيها من العشق ، وليست عشقاً ، كل امرأة عرفتها قبلك ، كانت دون أن أدرى تمهدنى لكِ ، وعرفتك ، اكتشفت أن كل تجاربى لا تسعفنى ..

ذات مساء تصالحنا بعد طول خصام ، لا أدرى ماذا يحدث للدنيا ، حين يرضى قلبكِ عنى ؟. ماذا يطرأ على الكون ، حين تنساب الرقة بينكِ وبينى ؟ .. حين نتصالح ، يصبح الهواء أكثر عذوبة ، والماء أكثر شفافية ، والناس أقل خشونة ..

ذات مساء قلتِ لى ، ” ما بيننا ” يحيرنى ، يتحدانى .. أصارعه ، ويصارعنى ، أنا الآخر ، فى حيرة ، وصراع ، حيرة تؤرق نومى ، وصراع أجهد يقظتى .

يا لسخرية الأقدار .. نتعثر معاً ، تطول فترات خصامنا ، ليس لغياب الحب ، ولكن لحضوره أكثر مما نحتمل ، وأكثر مما تؤهلنا تجاربنا له ..

كنت تتعمدين جرحى ، ويدهشك أننى لا أغضب .. كنت أقابل الجرح منكِ ، بنفس صافية ، أفهم جيداً دوافعِك .. تعاقبينى لأننى الرجل الوحيد الذى أحبكِ دون مقابل .. عطائى كان يخيفك .. ولديكِ قدرة أحسدك عليها ، فى تحويل كل فضائلى إلى عيوب ، لم تصدقى أن هناك رجلاً يعشق بمثل هذا الزهد ، والسمو ، أن أعطيكِ ، كانت فرحتى الوحيدة .. وتلك أيضاً ، كانت خطيئتى الوحيدة ، ربما لو كنتُ فكرت فى الأخذ ، لسارت الأمور بيننا أكثر سلاسة .. أنتِ المرأة الوحيدة معها فقدت ذاتى ، وحين فقدتها ، وجدتها أحلى ما تكون .

حين كنت أسألكِ لِم قسوتك .. كان يجيئنى ردك ” القسوة مناعة ضد الضعف “.

كنت أكرهك أحياناً ، ليس عندما تكونين قاسية ، ولكن حينما تصبحين رقيقة ، تزداد كراهيتى لكِ ، حين تمنحينى ليلة حُب ، تشعرنى أن ما فات قبلكِ وهم .

كيف تأتيك الجرأة ، وتلغين كل النساء قبلك ؟ . هذا ذنب عظيم لن أغفره لكِ .

وكنت أكرهك ، حين أعترف بينى وبين نفسى ، أننى لا أستطيع الاستغناء عنكِ ، أنتِ المرأة الوحيدة ، التى أشعرتنى بأن الأمر بين يديها ، ضرورة لبقائى حراً ، سافرت لأهرب من هذا التناقض المؤلم .

أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .

تذكرينى فى موسم الشتاء ، حين كنا نصير تحت المطر .. تذكرينى فى الربيع ، حيث كنت أهديك الورد ، والحنين ، حين يهل الصيف ، تذكرى سهراتنا الممتدة حتى الفجر ، تذكرينى فى الخريف ، حين التقينا أول مرة .. سقطت أوراق المواسم الماضية ، وتهيأت لموسمكِ أنتِ ..

أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .

لقاؤنا الأخير ، كان منذ أيام .. كنا نحتفل بيوم ميلادكِ .. بسببه مت قبل أوانى .

وقت طويل وأنا أرتب لهذه اللحظات الأخيرة بيننا .

تجلسين بجانبى نجمة مُبهرة الضياء .. مُنجذب إليكِ بكل حواسى وارتباك قلبى .. مفتون بكِ إلى حد الشقاء ، أتأملكِ كأنها المرة الأولى ، أستمع إلى كلماتِك كمَنْ أسابه مس من السحر ..

سألتنىِ .. هلى استحق كل هذا الحب المطل من عينيكِ ؟ .

بابتسامة هادئة تبتلع مشروبا يرفض أن يفقدنى الوعى ، قُلت : ” بالطبع لا تستحقين ” .

قلتِ لى : ” كم أنت عنيد ” .
قلت : ” ألا تحبين الرجل العنيد ؟ “.
تمنحينى ابتسامة مراوغة .. تأخذين رشفات من الكأس نصف الممتلئ ، فيفيض امتلاؤك بالسِحر .

أقول : ” الأمر ليس عناداً وإنما حكمة .. فما المتعة حيث يذهب الحب لمَنْ يستحقه ؟ “.

ذلك المساء الأخير ضحكنا كثيراً .. رقصنا على أنغام لا تطفىء نهم الحنين .. ذلك المساء قدمت لكِ قلبى ، هدية يوم ميلادكِ .. وها أنا مُحلق فى الهواء بلا قلب .

بالمناسبة ما أخبار قلبى لديكِ ؟ .

أكتب رسالتى الأولى ، والأخيرة إليكِ .

إلى أين يأخذنى الهواء .. لست أدرى .. ولستُ متشغل البال ، مصيرى بعدك لا يؤرقنى .

فأى مصير بدونكِ نوع من الانتحار ، والإنسان لا يفكر فى الانتحار ، ولكنه يفعله .. أى مصير بدونكِ ، دور متقن الأداء فى رواية عبثية أتفرج عليها ولا أحياها ..

لماذا مع اقتراب النهاية ، تتضح رؤية الأشياء مُفعمة بالبريق ؟ .

بعد كل لقاء يطيح بعقلى ، أترككِ متلهفاً إلى موعدى المنتظم مع الحيرة ، والعذاب ، لم يحدث أبداً ، أن التقينا ، ومرت الليلة فى هدوء ، وسلام .

أتعذب حينما تشقينى .. وأتعذب حينما تسعدينى ..
لا أستطيع العيش معكِ ، ولا أستطيع العيش بدونك .. لست أحتمل منكِ الشقاء ، ولست أحتمل منكِ النعيم .. أخطاؤك تنفرنى ، وهى نفسها أخطاؤك التى أشتهيها .. وأخفى عنكِ حيرتى .. وعذابى .. عذابى ملكى وحدى ، عذابى سر أودعه الكون فى قلبى ، ليميزنى عن بقية الرجال .

ترى ، هل حقاً أحببتنىِ ؟ . فى أمسيات لا تعرف إلا عربدة الأشواق ، كنتِ تهمسين لى : ” أحبك ” ، وفى آخر ” عيد الحب ” أمضيناه معاً ، قلت لى على أنغام من الشجن ..

” كل عيد حب وأنت حبيبى “.. لو كنتِ تعرفين كم تدمرنى كلمات الحب الممتزجة بشفتيكِ ، دمار لذيذ يحببنى فى الموت ، ويغوينى بالحياة فى اللحظة نفسها .. ترى هل حقاً أحببتك ؟ . هل حقاً ، كنت إمرأة العمر ، الذى يتشبث بالحياة لآخر مرة ؟.

حتى هذه اللحظة لا أعرف .. كل ما كنت أدركه ، أننى مدفوع إليكِ بقوة أكبر من فهمى واحتمالى ..

حتى هذه اللحظة لا أعرف أكنتِ جنتى أم نارى ؟ . سجنى كنتِ أم خلاصى ؟ . حتى هذه اللحظة لا أدرى ، هل كنتِ عقاباً من القدر ، لأننى غير كل الرجال ، أعيش فى مملكتى ، وحيداً ، مترفعا عن الاندماج مع البشر ، ونزعت مبكرا الأوهام والسلاسل ؟. أم كنتِ مكافأتى لسباحتى ضد التيار ، وعدم مبالاتى بأفكار ومعتقدات الناس ؟ .

أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .

وربما التقى فى السفر ، بالمرأة التى تعوضنى عن عذابى معكِ ، ربما أقابل كما يقول صديقى : ” المرأة المناسبة ” .. أو ” المرأة المريحة ” ، أو ” المرأة التى تستحق ” .. مشكلتى أنى لم أكن أريد ” المرأة المناسبة “. كنت أريدكِ أنت . ولم أكن أريد ” المرأة المريحة ” . كنت أريدكِ أنتِ .. ولم أكن أريد المرأة التى تستحق ، كنت أريدكِ أنتِ ..

نساء العالم ، لا يحركن شيئاً داخلى ، عذابى أننى أعرف ، أنكِ إمرأة لا مثيل ولا بديل لها .

أكتب رسالتى الأولى والأخيرة اليكِ .

سوف أقلق عليكِ كثيراً .. مَنْ سيحبك بعدى ؟ . مَنْ سيرعاكِ بعدى ؟ . مَنْ يتحمل عنادكِ وقسوتكِ ؟ . مَنْ يحلو له خطاياكي ؟. وكيف ستمضى بكِ الحياة ؟ .

أخاف عليكِ من غدر الأيام وتقلبات الزمن .. كم كنت أود أكون بجانبك .. لكن لا مفر من الرحيل عنكِ ..

سوف أشتاق إليكِ كثيراً .. ولكن كيف أشتاق ، لمَنْ أتنفسها ، وأتنهدها ، واخترتها قطارى الأخير ، ومحطتى الأخيرة .

بعد رحيلى ، لكِ أن ترتاحى ، لم يعد هناك ذلك الرجل العاشق ، إلى حد النزف .. انتهت اللعبة العاطفية التى أجهدت قلبينا ، انتهت اللعبة ولم نعرف ، مَنْ كان المنتصر و مَنْ كان المهزوم .. فى الحب ، يا حبيبتى ، كلنا نخسر ، والحب وحده يفوز .

أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .

مَنْ هى تلك المرأة الفدائية ، التى يستهويها أن تحبنى ، تحب رجلا بلا قلب ؟ . عشت عمرى معذباً بقلبى اللا منتمى .. والآن بعد أن منحتُه لكِ فى يوم ميلادك ، أرتاح وأهدأ .

أوصيك خيراً بقلبى ، فهو طفلى الوحيد الجميل المدلل .. كان يأمر فأجيب .. ينادى ألبى النداء ، ربما يستطيع أن يفعل لكِ ، ما عجز عنه وهو بداخلى .

أكتب رسالتى الأولى والأخيرة إليكِ .

حين تقرأينى سأكون مُحلقاً فى الهواء .. مسافراً إلى أرض ، لا تعرفكِ ولا تعرفنى ، مسافر إلى بلاد لا تحمل لنا ذكريات .

اقرأينى حين يهل المساء ، فخيوط الليل أكثر مغفرة .. اقرأينى لا بعينيك ولكن بقلبكِ ، الذى منحنى فى ليلة ، حب العمر .. اقرأينى فى لحظة هاربة من الزمان ، والمكان تمنيت أن أقضيها معكِ .

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى