أخبار العالم

المكسيك.. انتخابات تاريخية بقيادة نسائية

إعلان

كتبت – نورهان أبو الفتوح/ باحثة في العلوم السياسية

شهدت المكسيك التي تعد أحد أكبر ديمقراطيات أمريكا اللاتينية، انتخابات عامة يوم 2 يونيو 2024 في خطوة يمكن وصفها بالتاريخية؛ حيث تعتبر الانتخابات الأكبر في تاريخ البلاد، فوفقًا للمعهد الانتخابي الوطني صوَّت خلالها حوالي 60 مليون ناخب على أكثر من 20 ألف منصب في الكونجرس والمحليات، فضلًا عن الرئيس الجديد، وهو المنصب الذي فازت به مرشحة الحزب الحاكم “كلوديا شينباوم” لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة البلاد منذ استقلالها من أكثر من 200 عام؛ لتؤكد بذلك تاريخية الانتخابات.

أولا- الانتخابات المكسيكية … مشهد محتدم وفوز متوقع

صوّت الناخبون في المكسيك لاختيار رئيس جديد خلفًا للرئيس المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، كما صوّت الناخبون أيضًا لاختيار حكام 9 من ولايات البلاد البالغ عددها 32 ولاية، واختيار المرشحين لعضوية مجلسي الكونجرس والآلاف من رؤساء البلديات والمناصب المحلية الأخرى في المكسيك، وفيما يلي أبرز نتائج التصويت والفائزين:
1- الانتخابات الرئاسية … منافسة نسائية تعكس الديمقراطية
تنافس على منصب رئيس المكسيك كل من مرشحة حركة التجديد الوطني (مورينا) الحاكمة “كلوديا شينباوم”، ومنافستها الرئيسية “زوتشيتل جالفيز”، المدعومة من ائتلاف أحزاب المعارضة في الانتخابات، وترشح “خورخي ألفاريز ماينز”، وهو مرشح ثالث، نيابة عن حركة المواطنين، وأعلنت لجنة الانتخابات في البلاد، فوز “شينباوم” بنسبة تاريخية تعد الأعلى في تاريخ البلاد وهي 58 % من الأصوات الوطنية، وجاءت جالفيز في المركز الثاني.

ويعد فوز “شينباوم” نصرًا متوقعًا، حيث أشارت استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات إلى تأييد معظم الشعب المكسيكي لها، خاصةً كونها سياسية ذات خبرة كبيرة في مجال البيئة، حيث كانت المسئولة عن السياسات العامة في العاصمة مكسيكو سيتي في شئون البيئة بين عامي 2000 و2006، ثم تم انتخابها على رأس “وفد تلالبان”، وهي منطقة في جنوب مكسيكو سيتي، قبل أن تفوز بانتخابات رئاسة البلدية عام 2018، ودرست كلوديا شينباوم الفيزياء في جامعة أونام العامة حيث دافعت عن أطروحة البكالوريوس الخاصة بها حول كفاءة استخدام الطاقة في الأفران التي تعمل بالحطب، التي ظلت مجالها المفضل، وهو الموضوع الذي نشرت حوله فيما بعد العشرات من المقالات العلمية، والذي كتبت عنه جزءا من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2007، وهو العام الذي فاز فيه فريق الخبراء الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بجائزة نوبل للسلام.

أما عن برنامجها فقد وعدت شينباوم، بمواصلة جميع سياسات الرئيس الشعبوي المنتهية ولايته لوبيز أوبرادور، بما في ذلك معاش تقاعدي شامل لكبار السن، وبرنامج يدفع الشباب إلى التلمذة الصناعية، فضلًا عن دعمها للمرأة حيث خاطبت المكسيكيات اللواتي ينددن بهيمنة مجتمع ذكوري: “إنه زمن النساء والتغيير، وهو ما يعني العيش من دون خوف والتحرر من العنف”.

2- انتخابات بلدية وتشريعية .. تقدم الحزب الحاكم
شمل التصويت اختيار 128 مقعدًا في مجلس الشيوخ، و500 مقعد نائب برلماني، وحاكم مدينة مكسيكو، وحكام في 8 ولايات بما في ذلك تشياباس، وغواناخواتو، وخاليسكو، وموريلوس، وبويبلا، وتاباسكو، وفيراكروز، ويوكاتان.

ويعد السباق على الكونجرس هو الأهم بعد اختيار الرئيسة، حيث هدف حزب مورينا الحاكم إلى تحقيق أغلبية الثلثين في الكونجرس، وهو أمر مهم لمراجعة الدستور، ويحقق مورينا أغلبية دستورية في مجلسي النواب والشيوخ، ويعني تحقيق الأغلبية في كلا المجلسين أن الإصلاحات التي قدمها الرئيس السابق لوبيز أوبرادور إلى الكونجرس في الخامس من فبراير 2024 يمكن الموافقة عليها حتى قبل أن تتولى كلوديا شينباوم منصبها في الأول من أكتوبر، وسيشمل ذلك سلسلة من التغييرات لخفض أموال المعهد الانتخابي الوطني، بالإضافة إلى التغيير الهيكلي في المحكمة العليا لانتخاب القضاة علنًا، بدلًا من إجراءات التعيين الفعلية، التي يوافق فيها مجلس الشيوخ عليهم بعد بروتوكول تمامًا”.

وعلى المستوى المحلي، تم تجديد 16 منصب رئيس بلدية في مكسيكو سيتي؛ 1098 مجلسًا محليًا؛ 1802 رئاسات بلدية؛ 1975 الحراسة القضائية؛ 204 مكاتب المجلس؛ 14,560 بيلة منتظمة. 22 رئاسة مجالس بلدية؛ 88 مديرًا للمجالس البلدية؛ 22 حراسة قضائية للمجالس البلدية و299 رئاسة مجتمعية.

ويأتي أهم هذه المناصب هو عمدة مكسيكو سيتي التي تنافس عليها كلارا بروجادا من الحزب الحاكم، وسانتياجو تابوادا من أكبر ائتلاف معارض، وسالومون تشيرتوريفسكي من حركة المواطنين في سباق متقارب، إلا أن كلارا بروجادا أثبتت جداراتها بفوزها بمنصب عمدة مكسيكو سيتي، وأشارت النتائج إلى أن حزب “مورينا” الحاكم عزز فرص فوزه في مكسيكو سيتي بالنتائج التي تم الحصول عليها في مجالس بلديات العاصمة، كما حصلت مرشحة الحزب “كلارا بروجادا” على ما بين 49% و 52.8% من الأصوات في السباق على عمدة مكسيكو سيتي، وذكرت النتائج أن الحزب الحاكم استعاد منصبين مهمين كان قد خسرهما في انتخابات 2021، وهما “تلالبان” و”أزكابوتزالكو”.

ثانيا- المكسيك … تحديات كامنة وبرامج واعدة

شهدت البيئة المحيطة بالانتخابات المكسيكية عدد من التحديات الأمنية والاقتصادية التي وعدت الرئيسة المنتخبة “شينباوم” في حملتها الانتخابية وبعد فوزها بمواجهتها، وفيما يلي أبرز التحديات:
1- العنف .. تحدي واضح وتعهد قاطع
يعد انتخاب رئيسة جديدة للبلاد خطوة كبيرة، في ظل معاناة البلاد من ارتفاع مستويات العنف القائم على النوع الاجتماعي والفوارق العميقة بين الجنسين، حيث كانت أعمال العنف شديدة بشكل خاص في الولايات التي تتقاتل فيها الجماعات الإجرامية من أجل مناطق مثل تشياباس وغيريرو في الجنوب، وميتشواكان في وسط المكسيك، ويمكن أن يرجع ذلك إلى أن المكسيك مازالت تتمتع بثقافة الذكورية، والتي خلقت فوارق اقتصادية واجتماعية كبيرة في المجتمع، حيث ارتفعت معدلات قتل النساء، وشهدت الانتخابات في المكسيك أعمال عنف، ومع ذلك، فإن عددًا تاريخيًا من النساء في الدولة يتولين أدوارًا قيادية وسياسية.

ويرجع ذلك إلى الجهود التي تبذلها السلطات منذ عقود من أجل تمثيل أكبر للمرأة في السياسة، بما في ذلك القوانين التي تتطلب من الأحزاب السياسية أن يكون نصف مرشحيها للكونجرس من النساء. وفي هذا السياق وعدت شينباوم بمعالجة المعدلات المرتفعة للعنف القائم على النوع الاجتماعي والفوارق بين الجنسين، حيث أكدت في برنامجها أنها تسعى إلى تعزيز الحرس الوطني، وأن تكون إدارة السلطة القضائية للاتحاد مسؤولة عن هيئة إدارية قضائية مستقلة وذاتية الحكم.

وتعد مكافحة العنف ضد المرأة أحد المحاور الأساسية في حملة كلوديا شينباوم، التي اقترحت معالجة المشكلة من خلال التركيز على الوقاية وتعزيز الإبلاغ، كما وعدت بمتابعة عمليات تحقيق العدالة وتصنيف جريمة قتل النساء على المستوى الوطني. وبهذا الإجراء، سيتم من حيث المبدأ التحقيق في كل جريمة قتل لامرأة باعتبارها جريمة قتل للنساء.

وشملت مقترحاتها أيضًا إنشاء برنامج وطني للمحاميات في جميع الوزارات العامة، بالتنسيق مع مكاتب المدعين المحليين لمعالجة جميع أنواع العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف في مكان العمل، فضلًا عن مكافحة العنف الرقمي.

2- العلاقات المكسيكية الأمريكية .. ملف الهجرة أولوية
تمثل الهجرة عبر الحدود الطويلة بين المكسيك والولايات المتحدة والتي يبلغ طولها 1933 ميلًا مصدر قلق مشترك، ففي عام 2023 عبر أكثر من 2.4 مليون مهاجر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، معظمهم من أمريكا الوسطى وفنزويلا، وفي عهد الرئيس المنتهية ولايته “لوبيز أوبرادور”، قبلت الحكومة المكسيكية عمليات الترحيل الأمريكية لعشرات الآلاف من المواطنين غير المكسيكيين بموجب قاعدة إدارة بايدن لعام 2023. كما كثفت إدارة لوبيز أوبرادور جهودها لقطع طريق المهاجرين المتجهين إلى الولايات المتحدة عن طريق نقل أعداد كبيرة من الناس من شمال المكسيك إلى الجنوب، ومن المتوقع أن تواصل شينباوم سياسة الهجرة، إذ أشارت الرئيسة المنتخبة إلى أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والمكسيك، خاصة فيما يتعلق بالتجارة، كما أكدت أن العلاقات مع الولايات المتحدة ستظل علاقة صداقة واحترام متبادل كما كانت، مشيرةً إلى مسألة الهجرة حيث أكدت أنها ستدافع دائمًا عن المكسيكيين الموجودين في الولايات المتحدة.

3- الاقتصاد المكسيكي … وعود عدة وجهود منتظرة
تعد القضايا الاقتصادية الشائكة في المكسيك التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، هي إحدى القضايا التي ستواجه الرئيسة الجديدة، لا سيما كيفية تمويل خططها ومعالجة عجز الموازنة، وقد وكان الرئيس السابق قد قام بعد فوزه بثقة المستثمرين من خلال سياسات الإنفاق المتشددة خلال معظم فترة ولايته، بتخفيف القيود المالية في عامه الأخير في منصبه لإنهاء مشاريع البنية التحتية الرئيسية وتغطية زيادة في برامج الرعاية الاجتماعية لفقراء المكسيك.

وأولت الرئيسة المنتخبة اهتمامًا كبيرًا إلى القضايا الاقتصادية خلال حملتها الانتخابية، حيث اختارت الحفاظ على “التقشف الجمهوري”، وهو التوجه الرئيسي لحكومة أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، وأشارت إلى أنها في حال أصبحت رئيسة، فإنها لن تستخدم طائرة خاصة أو هيئة الأركان العامة الرئاسية.

ومن ناحية أخرى، اقترحت التوجه الاجتماعي للإنفاق لضمان وصول البرامج الاجتماعية إلى السكان الذين يحتاجون إليها. وبالمثل، فقد دعمت مبادرة الإصلاح الدستوري فيما يتعلق بالمعاشات التقاعدية، والحفاظ على معاشات الرعاية الاجتماعية التي يستفيد منها كبار السن، كما دعت إلى الحفاظ على البرامج الاجتماعية، وزيادة الحد الأدنى للأجور بالقيمة الحقيقية، والاستثمار في جنوب وجنوب شرق المكسيك.

ومن هذا المنطلق يمكن القول إن شينباوم ستسمر على سياسات حكومة الرئيس السابق في الحد من الإنفاق الحكومي والتي بدأت في تحقيق جدواها.

وختامًا يمكن القول إنه على الرغم من التحديات التي يمكن أن تواجه رئيسة المكسيك المنتخبة والتي ستتولى مهامها في أكتوبر 2024، إلا أن الدعم التاريخي الذي حصلت عليه فضلًا عن برنامجها الواضح يمكن أن يعد الخطوة الأولى في سلسلة إنجازاتها كأول رئيسة للمكسيك، وهو ما اتضح أيضًا في الدعم الخارجي سواء الإقليمي والدولي التي حصلت عليه عقب الإعلان عن فوزها، حيث هنأ عديد القادة داخل أمريكا اللاتينية وخارجها وأبرزهم الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقادة اللاتينيين، الأمر الذي يبشر بسياسة داخلية وخارجية متوازنة.




مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى