مقالات

أيمن الشحات يكتب: وجه أميركا الحقيقي.. والتاجر ترامب

إعلان

بات من المسلَّمات أن ترامب يعبِّر عن الوجه الحقيقي للسلوك السياسي الخارجي الأميركي وعن قناع أميركا الابتزازي من دون خجَل أو احترام للقوانين الدولية، وهو يتعامل مع دول العالم أجمع على أنها مجرَّد مؤسَّسات لديه وهو مديرها التنفيذي.

لم يخفِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبب بقاء قوات بلاده الاحتلالية في الشمال الشرقي من الجغرافيا السورية، بل جاهَر في أكثر من مناسبةٍ دبلوماسيةٍ وإعلاميةٍ كان أبرزها تصريحه: «نحن نحتفظ بالنفط، لدينا النفط، النفط آمِن، لقد تركنا القوات هناك فقط مقابل النفط»، رغم إعلان رغبته بالانسحاب منها في وقتٍ سابق.

الأمر الذي يضعنا أمام سؤال بشقّين: مَن احتوى مَن؟ هل إبقاء القوات الأميركية جاء برغبة ترامب الذاتية؟ أو من خلال احتواء ممثّلي مؤسَّسات الدولة العميقة واللوبيات، الذين كانوا يعرفون كيفيّة التأثير على عقليّة «الدبلوماسي التاجِر» انطلاقاً من إغرائه بالاستيلاء على النفط السوري لكيلا ينسحب، ويحقّقون هدفهم بعدم ترك زِمام المبادرة لروسيا التي تعتبر أن هدفها الاستراتيجي الأول سياسياً في سوريا هو إخراج الأميركي بما يشكّله ذلك من فرصةٍ لاحتواء التركي وتسريع حل الأزمة السورية.

المؤشّرات كافة تميل نحو أرجحيّة كفّة الشَق الثاني من السؤال، مع توافر معطيات تؤكِّد أن ترامب يتعامل مع القضايا الخارجية ويحدِّد معالِم سياسة بلاده الخارجية وفقاً للمصالح الاقتصادية، وفق التالي:

1-التناقض الواضح والصريح في تصريح المسؤولين الأميركيين وترامب، فالأخير يعبِّر عن توجّهاته بصراحةٍ ومن دون دبلوماسيةٍ بأنه يريد النفط السوري، وهذا قد يكون مجرَّد بداية لما هو أكثر من الناحية الاقتصادية للمرحلة القادمة لسوريا وخاصة فترة إعادة الإعمار، في حين أن صقور الإدارة العسكرية وفي مقدِّمهم وزير الدفاع مارك إسبر يتحدَّثون عن خطةٍ أميركيةٍ تتضمَّن تَرْك نحو 500 إلى 600 عسكري في سوريا بالتعاون مع ميليشيات «قسد» مهمتهم مَنْع “داعش” من السيطرة على حقول النفط في المنطقة الشرقية.

وهذا التناقض له بعدان.. الأول: التناقض بين دوافِع ترامب الشخصية بالاستفادة من نَهْبِ الثروات الاقتصادية لتوظيفها من الناحية الانتخابية، وهذا ما دفع مرشَّح الحزب الجمهوري جون بايدن إلى اتّهام ترامب بأنه يغلِّب مصالحه الشخصية على المصالح الوطنية الأميركية، وبين دوافِع ممثّلي مؤسَّسات الدولة العميقة الذين يسعون إلى إعادة قوات بلادهم في سوريا والمنطقة لإدارة صِراع النفوذ مع روسيا والصين وإيران.

أما البعد الثاني فإنه يتمثّل بحِرمان الدولة السورية من ثرواتها الاقتصادية للضغط عليها لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ من النافذة الاقتصادية، وفي ذات الوقت إبقاء شعرة معاوية مع “قسد” لعدم انزياحها الكامل نحو دمشق.

2-دور السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام في احتواء قرار ترامب بالانسحاب وإثارة لعابه، من خلال سعي غراهام إلى التفاوض مع عدَّة شركاتٍ أميركيةٍ ومحاولة إقناعها رغم الكثير من الصعوبات للمجيء إلى سوريا وبناء بنية تحتية نفطية جديدة، بما يسمح باستخراج واستثمار الطاقة القصوى للآبار النفطية التي تتراوح في بعض التقديرات الأميركية بين 400 إلى 460 ألف برميل يومياً وباحتياطي يتجاوز 45 مليار برميل، في مقدّمها شركة «Global Development Corporation»  ويمتلكها رجل الأعمال الإسرائيلي مردخاي خانا، رغم تأكيدات غراهام ذاته بأن الوضع الحالي «غير مستدام» إلا في حال حصول اتفاق تركي كردي لوضع حدٍ نهائي بالقرب من الحدود يمكن للجانبين التعايش معه وفق زَعمه، وهو ما يسعى إليه غراهام مع عرَّاب العلاقات الأميركية التركية جيمس جيفري.

3- رغبة ترامب بتخفيف الضغط عليه قبل الانتخابات، فهو استثمر إعلان انسحابه ضمن خانة حماية أرواح الجنود الأميركيين وإعادة جزء إلى بلادهم أحياء وعدم خوض حروب جديدة ترجمة لتنفيذ تعهّداته الانتخابية السابقة، ولكَسْبِ أصوات الناخبين للتمديد له، وهو في ذات الوقت يبقي جنوداً في المناطق الغنيّة بالنفط السوري ليدَغْدِغ جزءاً من تطلّعات الشعب الأميركي بزيادة معدَّلات دخله وزيادة فرَص العمل، على غرار ملفات الابتزاز الاقتصادي في الملفات وعلاقات أميركا الترامبية بالدول الأخرى، سواء بالإيرادات التي تجنيها أميركا من إرسال المزيد من القوات إلى دول الخليج العربي وخاصة السعودية، أو ببيع المزيد من صفقات السلاح منذ تولّي ترامب سدَّة الحكم بحجَّة فزَّاعة إيران ومواجهتها، أو بفرض الحماية مقابل زيادة الأتاوات المالية وتمثّل ذلك مؤخّراً بمطالبة اليابان بزيادة من 2 إلى 8 مليارات دولار، أي أربعة أضعاف ما كانت تدفعه سابقاً لإبقاء الحماية الأميركية، ومطالبته كوريا الجنوبية بـ5 مليارات دولار سنوياً لحمايتها من جارتها الشمالية، ونجاح الضغط على دول الناتو بزيادة مدفوعاتها 4 بالمئة فضلاً عن زيادة ضرائب مستوردات أميركا من أوروبا والصين بطرقٍ ووسائل غير مشروعة، حقَّقت نمواً يفوق الـ 3 بالمئة للاقتصاد الأميركي في عهد ترامب، حتى أن إدارة البيت الأبيض توقَّعت الحفاظ على هذا النمو تقريباً في عام 2020.

4- الجانب الاقتصادي اللافِت في الاجتماع الأخير الذي جمع ترامب بنظيره التركي، فرغم العقوبات الاقتصادية الأميركية وإدانة مجازر الأرمن والإهانة غير الدبلوماسية التي وجّهها ترامب لأردوغان ووصفه بـ«الأحمق»، إلا أنه عاد ووصفه «بالعظيم» مِراراً وتكراراً، في دلالةٍ على اهتمام ترامب بالعلاقات التجارية بين البلدين خلال المرحلة القادمة فضلاً عن الشَراكة الأطلسية بما تدعمه داخلياً على صعيد الانتخابات، وهذا برز في وعد ترامب بزيادة العلاقات التجارية بين البلدين من 20 ملياراً إلى 100 مليار دولار خلال السنوات القادمة، وهو ذات الرقم التي تبتغي روسيا الوصول إليه في علاقتها التجارية مع تركيا.

بات من المسلَّمات أن ترامب يعبِّر عن الوجه الحقيقي للسلوك السياسي الخارجي الأميركي وعن قناع أميركا الابتزازي من دون خجَل أو احترام للقوانين الدولية، وهو يتعامل مع دول العالم أجمع على أنها مجرَّد مؤسَّسات لديه وهو مديرها التنفيذي، ولكن هل هذا السلوك من شأنه أن يحافظ على النمو والهيمنة الاقتصادية في ظلّ لجوء دول العالم وتكتلاتها نحو تنويع سلَّة العملات الأخرى؟ ووجود أسواق أسلحة أثبتت قدرتها وتفوّقها وبأسعارٍ أقل كالروسية؟.

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى