مقالات

مستشار وزير السياحة الأسبق سامح سعد يكتب .. الإسكندرية ما بين شعبين !!

إعلان

الإسكندرية ما بين شعبين !!

فى الإسكندرية الآن يعيش الناس بين شعبين منفصلين يسيران جنبا إلى جنب فى عالمين متوازيين .. لكنهما أبدأ لا يلتقيان ..

الشعب الأول مكون من أناس سكندريبن أصليين يحملون ختم التاريخ والحضارة ويشعون ثقافة وفنا وأدبا وهؤلاء هم المنحدرون من عائلات سكندرية قديمة سواء أكانت غنية .. أرستقراطية أو حتى متوسطة الحال .. لكنهم يتفقون فى السمات والطبائع فهم يعشقون الهدوء ويتيهون حبا فى البحر أو الجزء المتبقى من كورنيشه ويقدرون الجمال فى العمارة القديمة وخاصة عمارات وسط البلد الفينسية التكوين .. ويشربون قهوتهم فى ديليس ويأكلون الآيس كريم الكاساتا فى تريانون ويعشقون طعم الكلو كلو الذى كان جروبى يبيعه مع بائعى الآيس كريم الذين كانوا يجوبون الإسكندرية على البسكليتة وأمامهم صندوق صغير به كنوز من الآيس كريم .. هؤلاء الذين يشربون قهوتهم على مقاهى البحر أثناء سقوط الأمطار ويشعرون بالنشوة والسعادة خلف النوافذ التى تتساقط عليها قطرات المطر ..
هذا الشعب هو الذى عاش مع اليونانيين و الإيطاليين والأرمن وجاورهم فى العمارات الأنيقة ذات السلالم الرخامية وتعلم منهم بعض الكلمات الإيطالية واليونانية ليتكلم بها مع ماريكا وانجل ويورغو وخريستو .. هؤلاء من شربوا اللبن فى القنينات الزجاجية التى كان بائع اللبن يضعها أمام أبواب البيوت فى السابعة من صباح كل يوم ويحمل الزجاجات الفارغة .. هذا الشعب هو من كان يعود إلى منزله فى الثامنة لتجلس الأسرة كلها معا لتناول العشاء وتقضى بعض الوقت معا قبل الخلود للنوم وفى آخر الأسبوع كانوا يلتقون فى جابى او سانتا لوتشيا أو إيليت أو حتى قهوة فاروق على البحر ..

هؤلاء كانت متعتهم القراءة والتمتع بالبحر وإقامة العلاقات الإجتماعية والإنسانية .. هؤلاء كانوا شعب الإسكندرية الأصليين والذين إنقرضوا أو فى طريقهم للإنقراض والاحتراق والحسرة على ضياع مدينتهم الجميلة ذات المبانى العتيقة والشوارع النظيفة ..

هؤلاء من بقوا بعد مغادرة الخواجات المدينة .. هؤلاء من يتحسرون يوميا على ضياع الأناقة وذهاب الكورنيش إلى أصحاب المقاهى والشيش وانهيار العمارات والفيلات القديمة وضياع ملامح محطة الرمل وشارع فؤاد والسلطان حسين .. وهؤلاء هم المتهمون أنهم متعجرفون .. عنصريون وبورجوازيون ..

أما الشعب الآخر فهم الذين ملأوا شوارع المدينة .. هؤلاء القادمون من الصعيد للعمل كمقاولين فى كار المعمار فبدلوا عمارة المدينة من فيلات ومبان لا يزيد ارتفاعها عن ٦ طوابق إلى عمارات قبيحة شاهقة يصل ارتفاعها إلى أكثر من ٢٠ دور حتى فى الشوارع الضيقة .. وقاموا بشراء الفيلات والقصور وهدموها ونشروا ثقافة القبح وبدلوا كل جميل إلى أشياء مادية .. عاونهم فى ذلك القادمين من الأرياف الذين زحفوا على المدينة كيأجوج ومأجوج .. فتبدلت الوجوه وعلاها التجهم وإختفت الابتسامة وذهبت جملة نهارك سعيد إلى غيابات الجب وظهرت مصطلحات جديدة غريبة لتلائم سائقوا الميكروباص وراكبوا التوك توك وإنتشرت العشوائيات وذهب الإحترام وإختلط الحابل بالنابل وأخذ هؤلاء يبحثون عن الربح السريع فإمتلأت الشوارع بالمقاهى التى تقدم الشيشة والتى تسهر طوال الليل والتى تصدر الازعاج وبات الشعب الأول فى حيرة من أمره .. أين ذهبت مدينتهم الجميلة .. الراقية.. النظيفة ..
هل رحلت مع من رحلوا من الأجانب ؟
أم مازالت موجودة تحت أكوام القمامة التى تملأ الشوارع وتزكم الأنوف ؟
هل هناك أمل أن تعود يوما ما ؟
والمشكلة أن الشعب الآخر إذا حدثته عن الرقى والجمال والحفاظ على طابع المدينة ونظافتها .. نظر إليك الإستغراب وكأنك قادم من عالم أخر ثم يخرج ليقول أن الشعب الأول يتحدث بلغة متعاليه …
مسكين الشعب الآخر فهو لم يتذوق الجمال وليس سكندريا أصيلا ليفهم ما نقول ..

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى