أخبار العالمخبر عاجلسياسةمقالات

محمد أحمد العراقي يكتب: نهاية الهيمنة الأمريكية…نحو نظام عالمي جديد

إعلان

بقلم: محمد أحمد العراقي

يعتبر بداية ظهور العولمة بالمفهوم المعاصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حين حققت الدول الأوروبية انتصارات متعددة في الحرب على دول المحور، وذلك بعد حصولها على دعم الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى الى تمكين الولايات المتحدة من التدخل الاقتصادي والتكنولوجي الى جانب الدول الحليفة لها، والمحاربة على أراض أخرى لتحقيق السيطرة على العالم، وهيمنة ثقافتها على دول العالم المختلفة، والتي انعكست على كافة المجالات حول العالم.

ولكن يبدو أن مقولة أن العولمة جعلت العالم قرية صغيرة سوف تتغير في الفترات القادمة، إذ إن العديد من الدول قد وجدت أن العولمة لا تحقق مصالحها، وإنما تستغل من قبل دول أخرى لتحقيق مآربها، فمع تقدم المد الصيني وتراجع النفوذ الأمريكي، ووجود أقطاب عالمية صاعدة كروسيا وألمانيا، ونمور آسيوية جديدة كالهند وتركيا، بينما إيطاليا صارت رجل أوروبا المريض وبريطانيا تنكفيء على نفسها وإسبانيا تنشغل بنفسها داخليا، تغيرت الكثير من الولاءات والتحالفات العالمية، وضجَّ الطامحون في السيادة من السيطرة الأمريكية المطلقة على العالم سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا، مما أدى بالساسة إلى وضع خطط إستراتيجية طويلة المدى تهدف إلى سحب البساط من تحت سيدة العالم تدريجيا. ويبدو أن العالم قد صار من النضج بحيث إنه يحاول بكل الطرق تجنب سيناريو الحرب العالمية الثانية بكل ما حملته من خسائر موجعة لكل الأطراف المشاركة فيها_المهزوم منها والمنتصر_على حد سواء.

نهاية هيمنة الدولار:

يسيطر الدولار على معظم المعاملات التجارية في العالم، حيث يجري تسعير معظم السلع بالدولار وفي مقدمتها النفط، وكذلك الأسهم في البورصات العالمية، كما أنه يمثل نحو 85٪ من العملات المتداولة في التجارة الدولية، ووصلت الاحتياطات المالية الدولارية في العالم إلى أكثر من 60٪ مقابل 20٪ للمنافس الأبرز “اليورو”.

هذه الهيمنة أعطت نقطة تفوق مطلقة للولايات المتحدة للتحكم في فرض سياساتها الاقتصادية على السوق العالمية، وفرض العقوبات على من يخالف ذلك، مما دعا رؤساء الدول المتضررة من العقوبات وفي مقدمتها الصين وروسيا وتركيا وإيران إلى استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بينهم، فمنذ عام 2018م قررت روسيا إلغاء الدولار في المعاملات المحلية والتجارة الدولية للتحايل على العقوبات الأمريكية، كما استطاع البنك المركزي الروسي تخفيض حصة الدولار في احتياطي النقد الأجنبي من أكثر من 40٪ إلى 24٪، وانخفضت حيازات البنك من الديون الأمريكية من 100 مليار دولار إلى أقل من 10 مليار دولار، كما بدأت شركات النفط والغاز الروسية العملاقة في الاستغناء عن الدولار في تعاملاتها واستبداله باليورو والعملة المحلية “الروبل”.

أما الصين _والتي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم والمنافس الأقرب للفوز بالصدارة_ فقد بات الاستغناء عن الدولار إستراتيجية لا رجعة عنها، خاصة بعد العقوبات المفروضة مؤخرا على الصين، فحكومة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب أرادت فرض 25٪ رسوما جمركية على صادرات الصين إلى أمريكا والتي تجاوزت 400 مليار دولار عام 2019م، كما وضعت مجموعة هواوي الصينية العملاقة على القوائم السوداء في محاولة لخنقها وإخراجها من الأسواق العالمية ضمن الحرب التجارية الشرسة بين الولايات المتحدة والصين.

ومع تنامي حجم الاقتصاد الصيني واقترابه من تجاوز حجم الاقتصاد الأمريكي المثقل بديون تتجاوز 20 تريليون دولار، تحاول الصين أن تجعل عملتها اليوان هي العملة المعتمدة عالميا، إلا إن الأمر يحتاج إلى تريث وعمل تدريجي، فعلى سبيل المثال فقد تعرض الروبل الروسي لنزول سعري حاد بنسبة فاقت 7٪ من جراء الحرب النفطية مع السعودية العام الماضي.

في مارس 2018م فاجئت الصين العالم بإصدارها أول عقود آجلة للنفط يتم تداولها باليوان وليس بالدولار، وهي الخطوة التي اعتبرها المحللون بداية النهاية لأحد أبرز أسباب هيمنة الدولار وهو ما يعرف ب “البترودولار”.

اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة “RCEP” :

نجحت الصين في توقيع أكبر اتفاقية للتجارة العالمية مع 14 دولة آسيوية وغياب أمريكي. “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” والتي تغطي مساحة يعيش عليها ثلث سكان العالم، ومخرجاتها تربو على 26 تريليون دولار والتي عدها المحللون تمهيدا للنظام العالمي الجديد الذي تطمح الصين في إنشائه بعيدا عن الهيمنة الأمريكية على العالم.

الأمن السيبراني وحرب المعلومات:

لقد تغير المفهوم الكلاسيكي للحروب وطرق جمع المعلومات، فمع تنامي وسائل الاتصال وظهور الأجهزة الذكية كالهواتف وغيرها، صار جمع المعلومات لا يحتاج إلى جواسيس تقليديين بقدر ما يحتاج إلى وجود مستخدمين للهواتف الذكية المتصلة بالإنترنت. هل تعلم أن ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية تقيدان بعض التطبيقات لحماية بياناتها من الصين وروسيا؟ فعلى سبيل المثال فرضت الولايات المتحدة مؤخرا قيودا على موقع تيكتوك “Tiktok” الصيني واسع الانتشار، والمنافس الأكبر لمواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية، إذ بلغ عدد مستخدميه مليار مستخدم عام 2019م، منهم 100 مليون مستخدم داخل الولايات المتحدة فقط، واتهمته الإدارة الأمريكية بالتجسس بحجة أنه ينفذ إلى بيانات المستخدمين وهددت بحظره، ثم تم الاتفاق على بيع تيكتوك في أمريكا لشركة اوراكل “Oracle” الأمريكية.
وبالمثل فالصين تكاد تستغني عن مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية الأشهر والأكثر تداولا عالميا، ولديها تطبيقات بديلة تستعمل على نطاق واسع في الصين وبعض البلاد المجاورة، ومن هذه التطبيقات:
*تطبيق بيدو “Baidu” : وهو محرك بحث مشابه لجوجل كروم
“google chrome”، يعمل بكفاءة عندما تستعمل اللغة الصينية، بينما ينخفض الأداء نوعا ما عند استعمال لغات أخرى، إلا إنه يخضع للتطوير المستمر.
*تطبيق يوكو “Youku” : والذي طرح بديلا عن يوتيوب “Youtube” الذي تم حجبه في الصين بعد أعمال الاحتجاجات في إقليم التبت عام 2008م
*تطبيق “MapQuest” للخرائط بديلا عن “Google maps” : وجدير بالذكر أن الصين أطلقت القمر الصناعي الأخير في مشروع “Beidou” في يونيو 2020م والمنافس لنظام الملاحة الأمريكي جي بي إس “GPS”
*تطبيق “WeChat” : وهو موقع تواصل اجتماعي بديل لفيسبوك
“Facebook”، ولكن يقدم خدمات أكثر منه، حيث يمكِّن المواطن الصيني من الدفع الإلكتروني وخدمات أخرى متعددة.

موقف شركات التكنولوجيا الأمريكية من الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة:

لا تخفي بعض الشركات الأمريكية كجوجل وفيسبوك رغبتها في دخول السوق الصينية الواعدة والتي تضم خمس سكان العالم، حيث حذر الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل “إريك شميدت” من احتمالية انقسام شبكة الإنترنت إلى قسمين في حدود عام 2028م، بحيث ستقود الولايات المتحدة قسما، فيما تقود الصين القسم الآخر، وعلل شميدت ذلك بسبب التداعيات التي شهدتها الساحة السياسية مؤخرا والتي سيكون أثرها بالغا على التكنولوجيا.
وأرجع سبب هذا الانقسام إلى أن الرقابة التي تفرضها الصين على الإنترنت ستؤدي إلى ظهور نسخة صينية جديدة من شبكة الإنترنت لا تتلاءم مع النسخة الغربية بحلول عام 2028م، وقال إنه: “إذا نظرت إلى الصين فحجم الشركات والخدمات التي يتم إنشاؤها صار ظاهرة استثنائية”، وأشار إلى أن جدية الصين تظهر في كون الإنترنت الصيني يمثل نسبة مئوية أكبر من نسبة الناتج المحلي الإجمالي للصين، وهو رقم يفوق نفس النسبة للولايات المتحدة الأمريكية. ولا يستبعد شميدت أن عملية التشعب هذه قد بدأت فعليا مع تطوير ما يسمى بجدار الحماية الصيني العظيم، وهو أسلوب ابتكرته الصين لفرض الرقابة على الإنترنت.

وفي الوقت الذي تواجه فيه شركة جوجل “Google” صعوبات في العودة إلى الأسواق الصينية، أكدت تقارير صحفية على غرار موقع انترسبت الأمريكي رغبة جوجل في العودة إلى السوق الصينية لكنها تواجه انتقادات من أوساط عدة خاصة بعد ظهور تسريبات تشير إلى أن جوجل تعتزم التعاون مع الحكومة الصينية عبر إنشاء ماكينة بحث عرضت باسم دراجون فلاي “Dragonfly” تلائم متطلبات الحكومة الصينية التي ترغب في منع مواطنيها من الوصول إلى مواقع محددة، إلا إن بعض المصادر تؤكد أن جوجل ألغت الاتفاق استجابة لضغوط حكومية أمريكية.
فهل تنجح مساعي الصينيين في كسر الاحتكار الأمريكي لشبكة الإنترنت عبر العالم؟ وهل يتمكنون من دحض التفوق الأمريكي والصعود إلى قمة العالم؟ هذا ما ستكشف عنه السنوات القليلة المقبلة.

محمد أحمد العراقي
ماجستير إدارة الأعمال، متخصص في الإدارة الإستراتيجية
mohamediraqi600@gmail.com

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى