بورصة الرأيمقالات

د. محمد العراقي يكتب: كورونا يغير خريطة النفط العالمية

إعلان

بقلم د.محمد العراقي

تعرض البترول في الأشهر القليلة الماضية لنزول حاد في الأسعار إلى أن وصل لحدود ال ٢٠ دولارا، ثم تلاها أزمة مفاجئة في الولايات المتحدة حيث وصل السعر إلى 37 دولارا تحت الصفر، نعم أنت لم تخطيء قراءة العبارة! ولكن كيف يكون سعر سلعة استراتيجية كالنفط سالبا؟ وما الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الانخفاض السعري الحاد؟
في الواقع، فقد تعرضت أسعار البترول لثلاث هزات سعرية عنيفة من قبل، أولها كان في سبتمبر عام ١٩٨٥م حين أعلنت المملكة العربية السعودية على لسان وزير النفط آنذاك أحمد زكي اليماني عن رفع إنتاجها من النفط بحيث ارتفع من ٢ مليون برميل إلى ١٠ مليون برميل يوميا، وحينها هوى سعر النفط من ٣٢ دولارا للبرميل إلى حدود ال ١٠ دولارات، وهو ما كبد الاتحاد السوفيتي حينها خسائر قدرت ب ٢٠ مليار دولار، بل اضطر الاتحاد السوفيتي إلى بيع بعض إنتاجه ب ٦ دولارات فقط للبرميل! وهو ما اعتبره العديد من المحللين والمسؤولين الروس بأنها كانت القشة التي قصمت ظهر الاتحاد السوفيتي وأدت إلى انهياره تماما! ثم بدأت الأسعار ترتفع بعد ذلك تدريجيا إلى أن وصلت لحدود ١٤٠ دولارا للبرميل، إلى أن جاءت الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨م لينخفض السعر إلى ٤٠ دولارا فقط للبرميل وكانت هذه هي ثاني هزة عنيفة تصيب قطاع النفط، ثم ارتفع السعر مرة أخرى في ٢٠١٢م إلى أن وصل لحدود ١١٠ دولارا، ثم في سبتمبر ٢٠١٤م بدأ رحلة هبوط عنيفة استمرت ١٤ شهرا ليصل إلى ٣٠ دولارا للبرميل أوائل عام ٢٠١٦م وكان هذا نتاجا لتغير الخريطة النفطية العالمية تغيرا كبيرا.
فقد كانت الولايات المتحدة أكبر مستورد للبترول، حيث كانت تستورد ٥٥٪ من احتياجاتها، ثم توالت اكتشافات النفط الصخري في أماكن عديدة بها، وزادت تكنولوجيا استخراجه تطورا، إلى أن حققت الولايات المتحدة اكتفاءا ذاتيا من النفط، بل وصارت في ٢٠١٧م أكبر منتج للنفط في العالم وأصبحت تقوم بتصدير أكثر من ١٠ مليون برميل يوميا، مما أدى لزيادة المعروض العالمي بشكل كبير جدا، في الوقت الذي انخفض الطلب على البترول نتيجة انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الدول الأساسية الكبرى في العالم كالصين ودول الاتحاد الأوروبي، وزيادة الطلب على الغاز الطبيعي ليحل محل البترول في العديد من الاستعمالات لقلة تلويثه للبيئة حيث يعده الخبراء المرحلة الوسيطة قبل الانتقال للكهرباء ووسائل الطاقة المتجددة والنظيفة بحلول الأعوام المقبلة.
ثم جاء التنافس الروسي السعودي على زيادة المعروض العالمي بشكل مطرد مطلع العام الجاري مما أدى لانخفاض سعر البرميل إلى أن وصل لحدود ال ٢٠ دولارا، مما شكل تهديدا مباشرا للنفط الصخري الأمريكي حيث تصل تكلفة استخراج البرميل منه إلى ٢٣-٢٥ دولارا، في حين بلغ متوسط تكلفة النفط العادي متوسط ١٢ دولارا، وظلت شركات النفط الصخري تعاني وأوشك بعضها على إعلان الإفلاس، إلى أن بدأ انتشار فيروس كورونا عالميا مما أدى إلى الانخفاض الشديد في الطلب على البترول بنسبة ٣٠٪ ليصير الطلب العالمي ٧٠ مليون برميل يوميا بدلا من ١٠٠ مليون برميل! وبالرغم من توصل الأمريكان لاتفاق مع تحالف “أوبك بلس” على خفض الإنتاج بما يعادل ١٠ مليون برميل إلا أن المحللين يرون أن هذا غير كافٍ لرفع الأسعار لقلة الطلب الشديدة بسبب أزمة كورونا.
ثم توالت الأزمات لتصل إلى ذروتها في ٢٠ إبريل الجاري ٢٠٢٠ حيث تعرض المضاربون أصحاب عقود النفط الآجلة إلى كارثة، وعقود النفط الآجلة هي اتفاق بين بائع ومشترٍ على كمية محددة من النفط وبسعر محدد وتاريخ استلام محدد يعرف بتاريخ انتهاء الصلاحية، وهي تستخدم إما في التحوط؛ وهذا خاص بالشركات التي تستخدم منتجات النفط في عملها كشركات النقل البحري والطيران، أو المضاربون وهؤلاء يشترون العقود الآجلة بهدف الاتجار فيها وبيعها مرة أخرى.
حيث صار لزاما على هؤلاء المضاربين استلام عقود شهر مايو ٢٠٢٠م والتي لم يجدوا بعد مشتريا لها، وتعذر عليهم التخزين لكلفته المرتفعة وقلة الأماكن المتاحة للتخزين، حيث يخزن النفط إما في صهاريج فوق سطح الأرض أو كهوف ملحية في باطن الأرض أو سفن عملاقة في عرض البحر، وأوشكت مدينة كوشينج بولاية أوكلاهوما المخزن الأكبر للنفط بالولايات المتحدة على الامتلاء، فصار المضاربون على استعداد لأن يدفعوا ٣٧ دولارا لمن يستلم هذا النفط عنهم، وهو أمر لم يحدث مطلقا منذ أن تم اختراع عقود النفط الآجلة وتداولها في بورصة نيويورك التجارية NYMEX عام ١٩٨٣م.
ومن هنا يتضح أن فيروس كورونا قد يغير تماما شكل تجارة النفط العالمية حيث أدى إلى قلة التنقل والسفر إلا للضرورة، وزيادة العمل عن بعد الذي زاد الاعتماد عليه في قطاعات عديدة، وزيادة خدمات التوصيل للمنازل ووصولها لشرائح جديدة واستحواذها على حصص

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى