بقلم: حسام السيد جمال
خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي بالهند، في سبتمبر 2023م، أُعلن عن إنشاء ممر تجاري اقتصادي جديد؛ يربط بين الهند، والإمارات، والسعودية، والأردن، وأوروبا، بدعم من دول الاتحاد الأوروبي، وأطلق عليه اسم مشروع الممر الاقتصادي بين الهند الناشئة وأوروبا.
وقد سعت الولايات المتحدة طيلة أشهر ماضية إلى الترتيب لإطلاق مشروع إقليمي، يجمع الهند والدول الخليج العربي، وتحديدًا الإمارات والسعودية؛ إلى جانب الأرْدُنّ، والكيان المحتل، بالقارة الأوروبية؛ ليكون مشروعًا غربيًا منافسًا لمشروعات الاتحاد الروسي والصين، في منطقة الشرق الأوسط؛ وعليه فقد تقرر في اجتماع دول مجموعة العشرين الاقتصادية مؤخرًا في نيودلهي توقيع المشروع الجديد، واصفة الولايات المتحدة إياه بالتاريخي، والمساهم في تعزيز السلام والازدهار في الشرق الأوسط.
وعقب الإعلان عن المشروع؛ انتشرت التساؤلات التي تتعلق بطبيعته، والدوافع المحيطة به، والتحديات التي تدخل في حسابات جدوى تحققه، واستقراره؛ إذ يرى العديد من المراقبين أن المشروع، سيستخدم أيضًا؛ في تعزيز سياسات التطبيع بين دول المنطقة العربية والكيان المحتل، وبحسب ما جاء في وسائل الإعلام، من بيانات رسمية وتصريحات حتى الآن.
فإن المشروع الأمريكي الأوروبي الجديد في المنطقة؛ يشتمل على 3 مسارات أساسية، من المزمع إنشائها على 3 مراحل؛ المسار الأول عبارة عن مسار تجاري، يضم 3 خطوط فرعية؛ خط بحري يبدأ من غرب الهند، حيث ميناء مومباي، وإقليم جوجارت الهندي، عبر بحر العرب، وخليج عمان؛ لينتهي في ميناء جبل علي في دبي الإماراتية.
وخط سكك حديدية تبدأ من الإمارات، وبالتحديد في مدينة البطحاء؛ في أقصى نقطة في شمال غرب الإمارات، ليتداخل في شبكة السكك الحديدية السُّعُودية، وتحديدًا في مدينة حرض، ثم يقطع السُّعُودية طوليًا ليصل إلى مدينة الحديثة على الحدود مع الأرْدُنّ، ثم من الأرْدُنّ إلى معبر الشيخ على الحدود مع الكيان المحتل، ثم إلى مستوطنة بيت شان الإسرائيلية، ثم إلى ميناء حيفا المطل على البحر المتوسط؛ وخطًا بحريًا إضافيًا في البحر الأبيض المتوسط؛ يبدأ من ميناء حيفا في الكيان المحتل إلى المواني الأوروبية، وبالتحديد في اليونان.
وأما المسار الثاني للمشروع، فهو مسارًا تكنولوجي؛ حيث من المقرر ربط الدول المشاركة في المشروع وهي الهند، والدول الخليجية، الإمارات، والسعودية، إلى جانب الأرْدُنّ، والكيان المحتل، بالقارة الأوروبية؛ بمجموعة من خطوط كابلات اتصالات الألياف ضوئية، لتعظيم الاقتصاد المعرفي الرقمي.
وهو ما قد يستتبعه في المستقبل، تعاون رقمي مشترك بين دول المشروع، في مراكز البيانات وإدارتها؛ أما المسار الثالث، فهو مسارًا طاقي؛ ويستهدف ربط الدول المذكورة، عبر أنابيب وخطوط طاقية، تعزز الاقتصاد الأخضر في قطاع الكهرباء والهيدروجين الأخضر.
دوفع خفية للمشروع الأمريكي في المنطقة
تطمح الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها الأوروبيين؛ إلى تحقيق عدة أهداف من مشروعهم الجديد، ففي ظل توسع مشروعات الصين وروسيا في العالم العربي، وزيادة الارتقاء بالعلاقات العربية الروسية الصينية في مجالات عدة، أبرزها التجارة والاقتصاد.
وتسعى واشنطن؛ إلى الدخول على الخط، ولعب دورًا أكبر في المنطقة، وتوجيه الصعود الاقتصادي للهند، وفقًا لمسارات تخدم مصالح الولايات المتحدة؛ إذ تشهد العلاقات الروسية الهندية، تطورًا كبيرًا على الصعيد التجاري، لا سيما مع الحرب الروسية الأوكرانية؛ واشتمل التقارب الهندي الروسي في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، في مجال النفط، باستخدام العملات المحلية، وتعزيز التجارة بين البلدين؛ عبر تنفيذ مشروع ممر الشمال الجَنُوب عبر إيران ودول آسيا الوسطى؛ والذي يسمح بتصدير البضائع الهندية إلى روسيا، ومنه إلى السوق الأوروبية.
لذلك عملت الولايات المتحدة، على جذب الهند إلى شبكة حلفائها؛ وأبعادها عن الخريطة الروسية والإيرانية كذلك من خلال ممرات ملاحية جديدة، تصب في صالح الاقتصاد الهندي؛ إذ أنه من المتوقع أن تصل الصادرات الهندية إلى الإمارات فقط، بمعدل 50 مليار دولار في السنوات المقبلة، وفي حال نجاح المشروع، فقد تصل الصادرات الهندية إلى سوق الخليج، والكيان المحتل، والسوق الأوروبية؛ بما يزيد عن 250 مليار دولار.
وتهدف الولايات المتحدة أيضًا؛ إلى الحد من الشراكات الاقتصادية والتجارية لإيران، إذ وجدت الولايات المتحدة، أن الهند لا ترغب في وضع نهاية لعلاقتها القوية بالأساس مع إيران، وهو ما لا يخدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة؛ ويؤثر على فعالية العقوبات الأمريكية على إيران.
إذ تستفيد إيران، من المشاريع الإقليمية المقترحة بين روسيا والهند؛ مثل الممرات التجارية، ومشاريع طاقة، والبنية التحتية؛ وفي حال نجاح المشروع، فمن المحتمل أن ترجئ الهند تطويرها لميناء تشابهار الإيراني، وتعزز من صادراتها إلى ميناء جبل علي في دبي، وميناء صحار العماني؛ الذي تستثمر فيه الهند بالفعل مؤخرًا.
ويبقى الهدف الأمريكي الأهم؛ هو دمج الكيان المحتل في حركة التجارة، والشراكات، والمشاريع الاقتصادية، العربية الأمريكية الأوروبية المشتركة؛ حيث يُعد دمج الكيان المحتل، في مشروعات على مستوي البنية التحتية، في مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والتجارة، وزيادة التطبيع مع الدول العربية؛ سيؤثر سلبًا على القضية الفلسطينية في الساحة الدولية.
وفي ظل معركة طوفان الأقصى، والدعم الشعبي واسع النطاق للمقاومة الفلسطينية؛ فإن مرور مسارات مشروع الممر الكبير القادمة من الأراضي العربية إلى الكيان المحتل، باتت محل شك، في ظل الغضب العربي المتصاعد من جراء جرائم الكيان المحتل في الشعب الفلسطيني.
بقلم: حسام السيد جمال النجار
كاتب صحفي وباحث بالشأن الاقتصادي والدولي