على مدار التاريخ، ومنذ نشأه أولى الكيانات السياسية والدول، في شرق أوروبا والقوقاز، والأناضول؛ شكل البحر الأسود، ساحة مواجهة لا تتوقف، بين الدول المختلفة، القريبة والمطلة على البحر؛ وفي عالمنا المعاصر؛ وفي ظل تحول البحر الأسود، إلى أحد أهم طرق التجارة الدولية في العالم، عادت الصراعات القديمة، بحله جديدة؛ لتُشعل البحر الأسود من جديد.
ولكن الحديث يدور هذه المرة؛ عن دول عظمى، متسلحة بترسانات نووية هائلة، يصرح مسؤوليها بين حين وأخر؛ باستخدام تلك الأسلحة، فموقع البحر الأسود، وما يحتويه من خطوط شحن تجارية، وأنابيب لنقل الغاز، وجغرافيا شبه مغلقة، جعل الدول العظمي لاسيما روسيا وحلف الناتو، تسعى لفرض هيمنتها الكاملة على البحر الأسود.
فمَا هي الأهمية الاقتصادية والتجارية للبحر الأسود؟ ولماذا تسعى الدول الغربية وروسيا إلى بسط السيطرة على أكبر رقعة جغرافية ممكنة من البحر الأسود؟ وفي ظل ازدياد حدة التنافس هل يشهد البحر الأسود مواجهة بين روسيا والناتو؟
يركز موقع “ع المكشوف” في هذا التقرير عبر تحليلاته ودراساته المختلفة، عن بعض النِّقَاط الهامة حول؛ صراع روسيا والغرب في حوض البحر الأسود، والأهمية الاقتصادية والعسكرية للبحر الأسود؛ في هذه السطور الأتية.
البحر الأسود.. صراعات تاريخية منذ قرون
كان البحر الأسود عبر التاريخ؛ ممرًا مائيًا، على ملتقى طرق التجارة، خلال حِقْبَة التاريخ القديم والوسيط؛ واستضافت شواطئه عدد لا يحصى من الحضارات والقبائل، وشهد الكثير من الصراعات والحروب، بين كثيرًا من الدول والشعوب؛ مثل الإغريق والرومان، والبيزنطيين والقوطيين، والصليبيين والتتار والبلغار.
وكان خلال فترات تاريخية سابقة، بحرًا داخليًا للامبراطورية العثمانية؛ ثم أصبح منطقة صراع، بين 3 إمبراطوريات قديمة جديدة، من روسيا إلى تركيا، وانتهاءً بدول حلف شمال الأطلسي.
وبدأت صراعات البحر الأسود الكبرى، منذ القرن الثامن عشر؛ ولكن عدة أحداث تاريخية كبرى، رسمت صراعات عالمنا المعاصر، كان أبرزها؛ حرب القرم خلال القرن التاسع عشر، واتفاقية مونترو عقب الحرب العالمية الأولى، ومنح رئيس الاتحاد السوفيتي السابق “نكيتا خروتشوف”، شبه جزيرة القرم الروسية إلى أوكرانيا العام 1953م، بمناسبة مرور 300 عام، على انضمام أوكرانيا إلى روسيا القيصرية، حيث كان تبادل الأراضي بين الجمهوريات السوفيتية، خلال القرن العشرين شائعًا.

هذه الأحداث التاريخية الكبرى؛ قد رسمت صراعات البحر الأسود المعاصرة، فمع تفكك الاتحاد السوفيتي، تمتعت شبه جزيرة القرم، بحكم ذاتي داخل السيادة الأوكرانية، حتى عام 2014م؛ فمع توسع حلف شمال الأطلسي، في شرق وجنوب أوروبا، انقضت روسيا على القرم وضمتها، إلى أراضيها العام 2014م، وقبلها خلال العام 2008م، شنت روسيا حربًا ضد جورجيا، وتمكنت من تثبيت موطئ قدم لها، في مدينة أبخازيا الجورجية، المطلة على البحر الأسود.
البحر الأسود.. حصار المواني ومخاطر أزمة غذائية عالمية
للبحر الأسود، أهمية بالغة من منظور الدول المتصارعة عليه؛ إذ لا تقتصر أهميته على الجانب الأمني والعسكري فقط، فهي أيضًا تتعاظم في الاقتصاد والطاقة والغذاء، لأنه يوفر فضاءًا، لنقل وعبور السفن التجارية الدولية، والبضائع والسلع؛ ويمثل منفذًا بالغ الأهمية، للحبوب الغذائية على مستوي العالم؛ حيث إن روسيا وأوكرانيا، أهم مُصدري القمح في العالم، بنسبه تبلغ 25% من حجم السوق العالمي للقمح. (1)
فالموائي الأوكرانية على سبيل المثال؛ تصدر شحنات كبيرة عبر البحر الأسود، نحو أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، وشمال ووسط أفريقيا، وغيرها من المناطق حول العالم؛ لذلك شكلت الأزمة الأوكرانية، تهديدًا كبيرًا للأمن الغذائي في العالم.
فمع بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير عام 2022م، وحصار المواني التي يُصدر منها الحبوب، في أوديسا وخيرسون وماريوبول، وقصف المنشآت فيها؛ بَدْء العالم أجمع، يستشعر التبعات الاقتصادية، لنقص إمدادات القمح العالمية، وارتفاع تكلفة استيراده.
حيث حذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، التابعة للأمم المتحدة، مع بَدْء الحرب الروسية الأوكرانية؛ من انهيار الإمدادات الغذائية، وزيادة الأسعار؛ ويخشى المراقبين والاقتصاديين، من نقص المعروض من محاصيل السلع الأساسية، مثل القمح، والذرة والبذور الزيتية، مما قد يتسبب في ارتفاع الأسعار أكثر وأكثر؛ كما وأدت الحرب الروسية الأوكرانية، إلى ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، مما تسبب في مزيد من النقص في الغذاء وزيادة الأسعار.

فالحرب الروسية الأوكرانية، ليست محصورة في رقعة جغرافية بين قطبين متحاربين؛ بل الأخطر من ذلك، هو امتداداتها الاقتصادية، لتتسبب في أزمة غذائية عالمية، تغطي معظم الدول المستوردة للقمح الروسي والأوكراني.
ومنذ انتهاء سريان اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا؛ أقدم البلدان على تبادل الهجمات على السفن التجارية التابعة لهما في البحر الأسود؛ إذ منذ تعليق الاتفاقية في منتصف يوليو الماضي؛ قصفت روسيا المواني الأوكرانية بشكل متكرر مع تهديد سفن الشحن؛ في المقابل، أعلنت أوكرانيا أن 6 مواني روسية مطلة على البحر الأسود، تقع ضمن أهدافها، مع تهديد بشن هجمات انتقامية على ناقلات الشحن ومنشآت المواني. (1)
البحر الأسود.. خطوط النفط والغاز بالبحر الأسود
كما وأن البحر الأسود؛ يُعد طريقًا رئيسًا، لتصدير الطاقة من آسيا نحو أوروبا؛ حيث تشكل منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطي، منطقة مهمه في إمدادات الطاقة العالمية، لما تحتويه، من كميات كبيرة من النفط والغاز، وتُعد روسيا؛ أكبر مُصدر للطاقة نحو أوروبا، وهو ما يجعل البحر الأسود، منطقة عبور بحري طاقوي بالغة الأهمية.
وتتوزع أنابيب نقل الغاز في المنطقة؛ منها أنبوب (بلو ستريم)، الذي يمر عبر البحر الأسود، نحو تركيا ثم بلغاريا واليونان وإيطاليا؛ وتستورد كلًا من بلغاريا ورومانيَا، مواردها النفطية، عبر المواني الساحلية في البحر الأسود؛ وفي الجهة الغربية للبحر، تستورد كميات كبيرة من النفط، عبر مضيق البسفور، قادمة من البحر الأبيض المتوسط. (1)
بالإضافة إلى خط (ترك ستريم)، الذي يمتد من منطقة كراسنودار الروسية، وحتى ساحل مدينة تراقيا التركية، مرورًا بالبحر الأسود؛ حيث يتصل بخطوط أنابيب فرعية أخرى؛ وإلى جانب خطوط الغاز الكبرى الروسية الأوروبية، المارة بالبحر الأسود؛ توجد أيضًا، خطوط لنقل الغاز الطبيعي، لا تقل أهمية؛ مثل مشروع خط الأنابيب الخاص بحقل الغاز “سكاريا” التركي وغيرها.

وتحتوي مياه البحر الأسود، على كميات كبيرة من النفط؛ ويأتي تصديره من 3 محطات رئيسة، هي روسيا وكازاخستان وأذربيجان، بحوالي 1.8 مليون بِرْمِيل يوميًا. (1)
البحر الأسود.. أهمية استراتيجية للاتحاد الروسي
وبالنسبة لموسكو تحديدًا؛ فالبحر الأسود يؤدّي دورًا أساسيًا في السياسة الخارجية للاتحاد الروسي؛ حيث لطالما اعتبرت موسكو البحر الأسود، منطقة استراتيجية، تهيأ لها الوصول إلى المياه الدافئة، ببحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط وما وراءه؛ لتصدير سلعها الرئيسة، من النفط والغاز، والقمح والحبوب، وحماية روابطها الاقتصادية والتجارية، مع الأسواق الأوروبية.
وكذلك أصبح البحر الأسود، منفذًا مهما لموسكو، يساعدها على تخفيف تأثير العزلة الغربية المفروضة عليها؛ فقد رفعت عملية الفصل الاقتصادي، بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد تعطيل خطوط (نورد ستريم)، أهمية البحر الأسود بالنسبة إلى روسيا، كونه أحد الممرات الجغرافية الاقتصادية الرئيسة لها، للوصول للأسواق العالمية. (2)
وتحظي كل دولة من الدول المطلة على البحر الأسود، بالعديد من المواني المهمة على ساحله؛ ففي أوكرانيا، تُشكل أوديسا المدينة التاريخية الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي للبلاد، الميناء البحري الرئيس والأكبر في أوكرانيا، وهو مركز ثقل بحري، يتكون من 3 مواني.
الأول مجمع ميناء أوديسا؛ والذي يختص بالنفط والمعادن، ويُعد نقطة عبور رئيسة لصادرات أوكرانيا، من الحبوب والذرة؛ والثاني ميناء تشيرنومورسك، الذي يختص بالمعادن وحركة الحاويات؛ والثالث ميناء يوجني، المختص بالمواد الكيماوية. (2)
وتتم في هذه المواني الأوكرانية بأوديسا؛ معظم عمليات الشحن البحري الأوكرانية، التي تبلغ حوالي، نسبة 60% من إجمالي حركة البضائع في المواني البحرية الأوكرانية، وترتبط الصناعات البترولية والكيماوية المختلفة؛ بخطوط أنابيب استراتيجية، تتجه من روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي.
كما يوفر مجمع ميناء أوديسا، عبارات ركاب منتظمة، إلى مواني البحر الأسود المختلفة؛ مثل مواني إسطنبول وفارنا وغيرها؛ ولذلك تبرز أهمية مدينة أوديسا الأوكرانية، بالنسبة إلى روسيا، التي حاولت لعدة مرات، مع بَدْء عملياتها الحربية في أوكرانيا؛ تنفيذ عمليات إنزال بحري، لاجتياح كامل مدينة أوديسا، والسيطرة عليها.
ورغم الفشل الروسي في تحقيق ذلك الهدف؛ إلا أن الروس، قد نجحوا في السيطرة على الضفة الشرقية، من نهر الدنيبر الأوكراني، في مدينة خيرسون؛ التي تُعد الموطن الرئيس لبناء السفن، ومركزًا أساسيًا للشحن البحري، وتحظى بأهمية ومكانة استراتيجية كبيرة، كونها ميناء مهم يطل على البحر الأسود وبحر أزوف، ونهر الدنيبر، ما يسمح بالاتصال الجغرافي، بمناطق حيوية ومهمه.

ومدينة خيرسون منذ تأسيسها؛ كانت حصنًا لحماية الواجهة الروسية، وأول قاعدة بحرية روسية لبناء السفن على البحر الأسود، وبعد إعلان موسكو، فرض سيطرتها العسكرية على مدينة خيرسون، في عام 2022م؛ تحول مطار خيرسون الدَّوْليّ في المدينة، إلى نقطة تمركز للقوات الروسية. (2)
وفي بحر أزوف، الذي يُعد الآن، بحرًا داخليًا لروسيا؛ يوجد أكبر الموائي المطلة عليه في مدينة ماريوبول، التي سيطرت عليها روسيا العام 2022م، وكان قبل الأزمة الأوكرانية إلى جانب مجمع ميناء أوديسا؛ مركزًا رئيسًا للصادرات الأوكرانية، إلى مختلف دول العام؛ كما وتشكل المدينة، مصدرًا رئيسًا لاستخراج وتصدير الحديد والفولاذ، وفيها مصنع أزوف ستال، أحد أكبر مصانع التعدين في أوروبا والعالم.
الموقع الجغرافي لأوكرانيا؛ وطول ساحلها على البحر الأسود، البالغ 3783 كيلومترًا؛ جعلها نقطة هامة في الصراع بين روسيا والغرب، والساحة الأساسية، لتصفية الحسابات بين القوتيين العظميين؛ لذلك حرصت موسكو منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، على الاحتفاظ بهيمنة السوفيات في البحر الأسود؛ ما تسبب في انخراط روسيا، بصراعات إقليمية عدة، خلال العقود الأخيرة.
وبالنظر إلى القانون الدَّوْليّ؛ فإن روسيا تمتلك 10% فقط من الخط الساحلي للبحر الأسود؛ ولكن مع الحرب الجورجية العام 2008م، وفرض موسكو هيمنتها في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ومن ثم حرب القرم عام 2014م، ثم الحرب الروسية الأوكرانية العام 2022م، باتت موسكو، تسيطر على 30% من سواحل البحر الأسود. (2)
تركيبة القوي والنفوذ في البحر الأسود
إن أهم التحولات الجيوسياسية المعاصرة التي حدثت بالبحر الأسود؛ كانت انضمام كل من، بلغاريا ورومانيَا، إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 2004م، ثم انضمام الدولتين، إلى الاتحاد الأوروبي عام 2006م؛ وعلى الرغم من أن تركيا واليونان، دولتان عضوتين منذ فترة طويلة، في حلف الأطلسي (الناتو)، إلا أن التوترات المستمرة بينهما، غالبًا ما جعلت التعاون في المنطقة محدودًا.
ومنحت اتفاقية صوفيا وبوخارست، السفن الحربية التابعة لحلف الناتو؛ وصولًا أكثر إلى المواني الموجودة في البحر الأسود، وعلى الرغم من أن النفوذ العسكري، للولايات المتحدة في البحر الأسود، لا يزال أقل مما هو عليه، في مناطق مختلفة من العالم، مثل مياه الخليج العربي، أو حتى بحر الصين الجنوبي؛ حيث تتمتع البحرية الأمريكية، بنشاط أكبر في هذه المناطق من العالم. (3)
إلا أن موسكو؛ تواصل تصريحاتها الداعية، إلى سحب البنية التحتية العسكرية، لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من شرق أوروبا، بما فيها دول (الناتو) المطلة على سواحل البحر الأسود؛ ولم تأخذ قيادة حلف (الناتو)، هذه التصريحات الروسية، على محمل الجد.
ولذلك، فإن التحركات الروسية؛ وسياسة توسيع نفوذ موسكو، في البحر الأسود؛ تأتي للحد من نفوذ حلف (الناتو) العسكري، ومحاولة إبعاده عن شرق أوروبا، وتسعى موسكو، إلى ترسيخ وجودها العسكري في البحر الأسود، وقد صرح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، خلال خطاب سابق له في مؤتمر ميونخ للأمن في عام 2007م، قائلًا “إن قرار موسكو، خلال تسعينيات القرن الماضي، بسحب قواتها العسكرية، من مولدافيا وجورجيا، وقواعدها العسكرية السوفيتية القديمة، المنتشرة في شرق أوروبا، كان قرارًا خاطئ”. (3)
وبدًا من العام 2008م؛ عملت روسيا على ترسيخ نفوذها، بوصفها لاعبًا أمنيًا رئيسًا في البحر الأسود، من خلال غزو جورجيا، وتدمير أسطول البحرية الجورجية الصغير، في ذلك الوقت، وقصف ميناء بوتي الجورجي الرئيسي، وإضفاء الطابع الرسمي، على السيطرة على أبخازيا، في المنطقة الواقعة، على الشواطئ الشرقية للبحر الأسود.

ومع زيادة صراعات البحر الأسود، في مولدافيا، وقرة باغ، وأوكرانيا، وغيرها؛ ظهرت تركيا، كلاعب جديد، ساعية إلى ملئ الفراغ الذي خلفة الغرب، في هذه الصراعات؛ وعلى الرغم من أن تركيا، عضو في حلف الناتو؛ إلا أن لدي أنقرة، براغماتية سياسية خاصة تتبعها، في رسم سياساتها الخارجية، في العديد من المناطق المختلفة، في الشرق الأوسط، والقوقاز، وأوروبا، والبحر الأسود.
فخلال الحرب الروسية الأوكرانية، كانت أنقرة، تقترب أكثر من موسكو، وسعت إلى استضافة جولات من المباحثات، بين الروس والأوكران؛ لكن موسكو وأنقرة، ظلتا على طرفي النقيض، في عددًا من الملفات أخري؛ مثل سوريَا وليبيَا، وخلال صراع أرمينيا وأذربيجان، أثبت تركيا أن لها القدرة على التأثير في الصراع، من خلال تقديم الدعم الهائل، إلى حليفتها أذربيجان، لتأكيد حضورها القوي في المنطقة.
ولدي تركيا أيضًا، مشروعاتها الاقتصادية الطاقية، في البحر الأسود؛ حيث صرح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، في وقت سابق، إلى أن بلاده، عززت تقديراتها، لاحتياطيات الغاز الطبيعي في البحر الأسود، بنحو الثلث، بفضل تقييمات حقل قائم، واكتشافات أخرى تجريها أنقرة بالمنطقة، وتتوقع تركيا، أن تضم حقولها البحرية الجديدة نحو 710 مليارات متر مكعب من الغاز في منطقة البحر الأسود. (3)
ونتيجة للأهمية الاقتصادية والجغرافية للبحر الأسود، فقد وضعته الصين، ضمن خطط مشروعها الاقتصادي الهائل “الحزام والطريق”، إذ تشير بعض التقارير الاقتصادية، إلى أن بكين؛ تسعى إلى توسيع الاستثمار في البنية التحتية، وتطوير شبكات التجارة، وخطوط الشحن والنقل، في العديد من الدول المطلة، على البحر الأسود؛ لا سيما في جورجيا وبلغاريا، وتركيا ورومانيَا وأوكرانيا.
فالبحر الأسود، يمثل نقطة ألتقاء للقوي الكبرى، وفي نفس الوقت؛ العامل الرئيس لزعزعة استقراره، ويبدو أن هذه القِوَى الكبرى؛ ستستمر في التجمع والاشتباك فيه، وحول سواحله، لعقود قادمة؛ ولا يظهر أي أفق للحل السلمي، لأزمات البحر الأسود؛ في ظل توسع حلف الناتو، واقترابه أكثر من الحدود الروسية، وفق وجهة النظر الروسية؛ وفي ظل أيضًا التمدد العسكري الروسي، في دول شرق أوروبا، والقوقاز، واقتطاع الأراضي، وضمها بالقوة، وتوسيع الخط الساحلي الروسي، في البحر الأسود؛ وفق وجهة النظر الغربية.
الخلاصة:
-على مدار تاريخه، شكل البحر الأسود؛ نقطة ساخنة بين العديد من الدول، المطلة على ساحله؛ فمنذ القرن الثامن عشر وحتى الآن، يشهد البحر الأسود، موجات من الصراعات والحروب المتكررة، وفي ظل الصراع الروسي الغربي الجاري حاليًا، يُعد البحر الأسود؛ ضمن أهداف كلا الطرفين، إذ تسعى روسيا، إلى فرض سيطرتها على أكبر قدر ممكن، من البحر الأسود؛ في حين يحاول حلف الناتو، والقوي الغربية، ضمان هيمنته العسكرية، والحد من التوسع الروسي، على سواحل البحر الأسود؛ وهذا التعارض في الأهداف، قد انتج حاله من عدم الاستقرار والحروب، بدأت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وحتى الآن.
-للبحر الأسود، أهمية اقتصادية بالغة؛ إذ يُعد خط عبور، لجميع خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، إلى شرق أوروبا وجنوبها، ويضم احتياطيات هائلة، من النفط والغاز؛ كما ويعلب دورًا هامًا، في التجارة الدولية، ونقل البضائع؛ لا سيما القمح والحبوب، من روسيا وأوكرانيا، إلى شمال أفريقيا، ودول المتوسط، وغيرها من المناطق حول العالم؛ وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية، في ارتفاع أسعار القمح والحبوب، ونقص في الأسواق العالمية، ما دفع العديد من المسؤولين والمراقبين الاقتصاديين، إلى التحذير من مخاطر تفاقم الأزمة أكثر؛ عقب انتهاء سريان اتفاق الحبوب، بين روسيا وأوكرانيا.
-نتيجة للموقع الجغرافي المتميز للبحر الأسود، وما يتمتع به من موارد وثروات طبيعية؛ فقد أصبح جزء من مشروع الصين الطموح، “الحزام والطريق”، لتدخل بكين، إلى ساحة صراعات البحر الأسود، من بوابة الاقتصاد والاستثمار؛ وفي ظل احتدام التنافس في البحر الأسود، بين قِوَى عظمي متصارعة فيمَا بينها؛ تثار العديد من المخاوف، من اندلاع مواجهة كبرى، يكون لها تداعياتها الكارثية على المنطقة، في وقت يتوسع فيه، جميع أطراف الصراع، روسيا، والناتو؛ على سواحل البحر الأسود.
المصادر
كتب: حسام السيد جمال النجار
كاتب صحفي وباحث بالشأن الاقتصادي والسياسي الدولي
طالع أيضًا: (حسام السيد النجار يكتب “التنافس التركي الإيراني على آسيا الوسطى وتداعياته على الإقليم والعلاقات بين البلدين”)





