أخبار العالمالعرب والعالمخبر عاجلسياسة

المحلل السوداني عمار العركي لـ”ع المكشوف”: تأجيل الاتفاق النهائي حدث نتيجة خلافات جوهرية حول قضايا مصيرية

إعلان

حوار- شريف ربيع

المحلل السياسي السوداني عمار العركي لـ”ع المكشوف”:
تأجيل الاتفاق النهائي حدث نتيجة خلافات جوهرية حول قضايا مصيرية
إسرائيل لها يد طولى في المشهد السوداني.. والخليج لديه مصالح إقليمية في المنطقة
الحل لا بد أن يكون داخليًّا.. والاتفاق الإطاري بلغ محنته الأخيرة

منذ عدة سنوات ونحن نعيش مع الشعب السوداني الشقيق في معاناته وأزمته السياسية بوجداننا وعقولنا وأقلامنا، ولاح في الأفق القريب بادرة لإنهاء تلك المعضلة وهي قرب الاتفاق السياسي النهائي بين الفرقاء السياسيين، لكن يبدو أن الأمر كما قيل سابقًا “تأتي الريح بما لا تشتهي السفن”؛ فقد ظهر خلاف بين الجيش وقوت “الدعم السريع” أجَّل هذا الموعد. وأردنا فهم الصورة السودانية عن قرب؛ من أجل ذلك حاورنا السياسي عمار العركي، الكاتب والمحلل السياسي السوداني.. وإلى نص الحوار:

– كيف تقرؤون المشهد السوداني حاليًّا؟
التطورات التي حدثت أو التي ستحدث يمكن قراءتها في سياق “الشيء المتوقع” بالنظر للسياسة والفلسفة المتبعة في نشوء وتصميم (الاتفاق الإطاري) القائم على إقصاء والحصرية والتمييز.

– وبم تفسرون تأجيل موعد الاتفاق النهائي إلى 6 أبريل الجاري؟
– هذا التأجيل والذي قبله حدث نتيجة خلافات جوهرية حول قضايا مصيرية، وكانت المساعى منذ البداية عدم مناقشتها أو القفز فوقها؛ باعتبار تسويتها في هذا التوقيت يضر كثيرًا بمصالح “أطراف الاتفاق”؛ فكان هناك توجه بأن يتم تجاوز ذلك حتى لا يعرقل مسار الاتفاق حول الوصول للسلطة، وبعدها العمل على تسوية تلك القضايا بقوة السلطة كيفما اتفق مع الحاكميين الجدد.

– وهل يوجد أفق للحل السياسي، وعلى أي أساس سيُبنى ذلك؟
ليس السياسيون فقط بل العسكريون كذلك لن يتخطوا نقطة الخلاف هذه؛ لأنها محور ومركز الاتفاق الإطاري؛ فحميدتي لم يتحالف أو يقوى من جبهة “فولكر” و”المركزي” إلا بضمان استقلالية قوات “الدعم السريع” وتبعيتها لرئيس الوزراء المدني؛ وبِناءً عليه كانت المناورة بطول الفترة الزمنية للدمج (فولكر و”قحت” –مختصر للفظ قوى الحرية والتغيير- المركزي بـ 5 سنوات، والدعم السريع طالب بـ 10، أما القوات المسلحة -المسؤولة والمعنية والمخطط والمنفذ للدمج- فقالت: “سنتين فقط”، وذلك مثلما ذكرت لك سيكون الحل بيد (قوة السلطة وسلطة القوة) القادمة، والتمكين المتوقع نتيجة تحالف “الدعم السريع” مع المدنيين، وأعتقد أن الجيش انتبه لهذا وتحسب واحتاط له بضرورة حسمه عمليًا وإجرائيًّا قبل التوقيع النهائي.

– وكيف بدأ دور “فولكر”؟
بدأ الأمر بزيارة “فولكر بيرتس” –ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان- الشهيرة “لحميدتي” بعد خروج الأخير من الخرطوم والعودة لدارفور بحجة فرض الأمن ونزع فتيل أزمة الصراعات والتفلتات القبلية هناك، تزامنًا مع خروج الجيش من العملية السياسية والعودة للثكنات إلى حين توافق وإجماع الساسة فيما بينهم.
تلك الزيارة كانت ضرورية لجلب دعم سريع ومُنقذ لفكرة حوار “فولكر” الذي تمخض عن فأر إطاري، فكانت البداية الأولى لسيل جارف من التحولات والتطورات على مسار الأزمة، وخلال الزيارة استطاع فولكر “وبعض” اللجنة الرباعية الانطلاق نحو تشكيل المشهد السياسى بسيناريو دستور نقابة المحاميين المحوَّر سياسيَّا ليصبح (اتفاقًا إطاريًّا) شبيهًا بعقود الإذعان أطرافه المُزعنة ذات تحالف مرحلي مؤقت بين ( فولكر، المركزى، حميدتي).
تلك الزيارة وُضعت خلالها اللبنات الأولى لصفقة تكتيكية مؤقتة (الحصانة والسلطة) مقابل (التحالف ودعم الإطاري)، والاستفادة من “الدعم السريع” مرحليًّا كقوة عسكرية مساندة وحامية للاتفاق من جهة، وتعويض خروج الجيش من العملية السياسية وإنقاذ الحوار “الفولكري” الذي يرعاه ويعول عليه (فولكر والرباعية والثلاثية)، وتمرير أجندته من خلال الدعوة والتفويض الأممي تحت ستار وواجهة بعثة الأمم المتحدة فى السودان.

– وأين دور القوى الكبرى في المشهد السوداني؟
هنا تتوارى خلف المسرح السوداني تداعيات تأثير صراع النفوذ والهيمنة داخل المنظمة من قبل قوى التنافس أمريكا، روسيا، الصين- المصالح الخارجية بكل تقاطعاتها وتبايناتها؛ فمصالح الاتحاد الأوروبي تختلف عن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك مصالح (إسرائيل) الحاضرة بقوة ولها يد طولى في المشهد السوداني عبر بوابة الخليج، وهذا الأخير -الخليج- لديه مصالحه الإقليمية المتقاطعة بين النفوذ السعودي التقليدي في المنطقة، وبين (حليفها اللدود) الإمارات التي تختلف مصالحها جملة وتفصيلًا عن مصالح السعودية القائمة على سباق الندية والقيادة مدفوعة بخلافات واختلافات تاريخية وحديثة، بدأت تظهر على السطح بعد فترة من الكتمان.
الغرض من هذا السرد المبسط هو الرد على من يعول على (الحلول الخارجية)، بعد أن تم تدويل الأزمة وفتح الباب على مصراعيه أمام التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي والسيادي السوداني، والاستعانة بالأجنبي “فولكر” وبعثته، ثم رهن المصير للسفارات الغربية والعربىة والخليجية تحت ذريعة “تبادل وجهات النظر” و”بحث العلاقات وسبل تطويرها” و… إلخ من تسليم واستسلام.

– وما الضمانات التي ستجعل الجيش يسلم السلطة للمدنيين خلال عامين حسبما قضى بذلك الاتفاق الإطاري في ديسمبر الماضي؟
الآن، وكشيء طبيعي ومتوقع سقط عن سوأة المشهد السوداني خرقة الاتفاق الإطاري المهترئة التي لا تكاد تستر رأس “قحت” المركزي -إذا سلمنا بها كمكون مدني- حتى تكشف عن ساقي الجيش -إذا سلمنا به مكونًا عسكريًّا- (مع أو دون) “الدعم السريع”.
نتوقف هنا ونستدعي آخر تطورات المشهد بآخر تصريح للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبد الله الذي قال: “إن التوقيع النهائي للعملية السياسية بالبلاد لن يتم ما لم يتم وضع جداول لدمج قوات الدعم السريع في الجيش بصورة واضحة”، وأكد عبد الله في تصريح لصحيفة الوفاق السودانية “أن ترتيبات الدمج لا بد أن تكون جزءًا من الاتفاق النهائي”. مضيفًا: “لا يمكن أن نعمل اتفاقًا ويكون هناك جيشان في البلد”، مشيرًا إلى “أنه من الضروري أن يكون هناك توقيت زمني واضح لعملية الدمج”.. وأعتقد أنه بِناءً على هذه التصريحات يكون الاتفاق الإطاري قد بلغ محته الأخيرة، وأصبح المشهد (بدون كومبارس أو أدوات)، وأصبحت المواجهة مع الفاعلين الخارجيين بقيادة “فولكر” المنتهية فترة خدمتة هذه الأيام، حيث لا نتوقع التجديد له (فلا أمريكا راضية عنه، ولا روسيا قابلة به)، والرجل كان يعمل بكل (طاقته وكروته) على أمل أن يصل لتشكيل حكومة بأي شكل وثمن؛ حتى يرفع من سقف حظوظه وطموحه في قيادة المنظمة.
وفي نفسي تساؤلات بخصوص “فولكر” وهي: هل يفجر (غضبه وفشله) فى إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن فى القوات المسلحة ؟ هل يدعو لفرمالة (قوات حفظ السلام) الأممية التقليدية والفاشلة في أغلب مناطق النزاعات؟ وكيف له أن يقنع (العالم) بمنطقية تحالفه ووقوفه لجانب الدعم السريع وقائده المعلوم والمعروف لدى مجلس الأمن الدولي؟ كيف يستطيع “فولكر” إقناع (العالم) المتقاطع المصالح في السودان بأن الجيش السوداني هو المتسبب في إجهاض العملية السلمية؟ وهذا الجيش لم يخرج عن الاتفاق الإطاري الذي أقر في ثناياه دمج الجيوش في جيش واحد؟ بل إن الجيش طالب بتفصيل التعميم وتحديد المواقيت والأزمان التي سكت عنها الاتفاق!
خلاصة القول أن أي حديث عن صفقات وحصانات للجنرالات مقابل تنازلات وتمريرات للأجندة الخارجية، فهو لا يعني المؤسسة العسكرية بشئ، بل هو اتفاق وتعهدات شخصية ليس لها أدنى ضمانات مستقبلية في ظل بروز قوى متعددة النفوذ والصلاحيات متنافسة ولديها مصالح مغايرة؛ فأصبحت الحصانات والضمانات كما قيل عنها ووصفت: “عطاء من لا يملك لمن لا يستحق”.

– وكيف ترون موقف القوات المسلحة الأخير؟
موقف القوات المسلحة الأخير يعبر عن مؤسسة (قومية ذات قانون ولوائح ملزمة، وعقيدة عسكرية حرة ومُستقلة)،لا تقل عن العقيد العسكرية الروسية المعلن عنها رسميًّا قبل يومين ضد الولايات المتحدة وحلفائها المناوئين لروسيا، هذا إن لم تفوقها وتزيد عليها. وبقراءة ورصد ردود الفعل الدولية والإقليمية لهذا التطور والانهيار الوشيك للإتفاق؛ نجدها أكثر من عادية يشوبها (الإحباط والاستياء) من ثلاثية “فولكر”، ومركزية “قحت”، ولا أستبعد أن الجيش استشعر ذلك ورفع من سقوفاته واشتراطاته.

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى