اشعار ادبيهخبر عاجل

رؤية الخويلدي لقصيدة محمود حسن “ثمر على شجر اليتامى”..

إعلان

الرؤية/ احمد منصور الخويلدي

مقدمة:

القاريء المبدع يتماهى و نبضات الإحساس التي تفرزها الحالة الشعورية للوجدان؛ فيكون هو العنوان البديل الذي يرفع آثار الغموض من بين السطور للمتلقي، و ينفضُ الصور البديعية من فوق خطها و يعيد تشكيلها بنفس الألوان دون أن يخرج عن برواز النص

و ها أنا أحاول أن أبعثر النص و أعيد ترتيب الأزمنة الغائمة خلف حدود الإبداع، لقصيدة رائعة من بحر الوافر بعنوان ( ثمر على شجر اليتامي ) قد يشكل الارتباط العاطفي بأحد الوالدين منهج لا ينفصل على الكيان، تبقى هي الشجرة التي أينعتْ في كينونتها ثمرة لذيذة المذاق، متفردة بقيمتها، فكلما زاد التفرد، زادتْ القيمة و الثمن؛ فكل قصيدة لهذا المبدع القدير، يطلُ علينا الإمام المعلم و الوالد، ليقول: هذه صنعة تقواى و رضاي، و ما تركتُ له سوى قافيته.

( ثمر على شجر اليتامى )

أنا ثمرٌ على شجرِ اليتامى

ويأكلنى الوصاةُ وهم صيامُ

أنا نَصلٌ على جُرْحى مقيمٌ

أعذِّبُنى وتنْكَأُنى العظامُ

أنا الرَّحالُ لم أسكنْ بوادٍ برجلى

قد ضربتُ وهم أقاموا

أنا المنْفىُّ من ذاتى لِذاتى

إمامُ لى فمأمومٌ إمامُ.

السفر عبر أجنحة الخيال للوصول إلى مقام الإبداع يحتاج إلى وسيلة متعددة الابعاد؛ كي نفصل آمالنا عن أحلام الليقظة المنتمية إلى صياغة النفس، أما الذات فهي الطبيب الذي يجب أن يظل حارسا على هذه الأدوات المتمثلة في اللغة و الوجدان و حرفية إيجاد الصورة و تحريكها بالألوان التي لا تشذ عن موسيقى الوزن و البيان.

هذا السفر الذي جذب شاعرنا دون إرادة و حمله و حملة مسؤولية القصيدة، فوجد نفسه غريبا في زحام الكلمة، يتعكز إلى إرادة الإيمان و ستشهد بالنطفة الصالحة التي أوجدتْ، ثم يتابع بالولوج بين أنغام البراءة التي لمْ تفقدْ آلياتها بذاته، و ِالتزام الرجولة الذي ألبسه رداء الدفاع عن اللغة و أصولها. القلبُ الذي يرى العالم من ثقب حرف مهموم برسالته الكبرى، و هذه الصورة البديعة تشكل ألوانها بعدا خاصا للتواضع، فبرغم أنه ينظر من هذه الدائرة الضيقة؛ إلا أنه يشاهد من خلفها الجميع كبارا، و هو كما جميع الخلائق له حياته الخاصة الممتلئة بالأحزان و الأفراح.

أنا طفلٌ بظهرِ الغيبِ يجرى

أُشَخْبِطُ لا أُقَوْلبُ أو أُلامُ

أنا رجلٌ تُقَوِّتُنى حروفى

وقافيتِى ومعْطفِىَ الكلامُ

وَلِى قلبٌ يَرَى من ثُقْبِ حرفٍ

وَلِى وطنٌ كبيرٌ لا يُضامُ

وَلِى وجعى وأسئلَتى بُكائى

وَلِى سِجْنى ولى عرشٌ يُقام

أنا ثمرٌ على شجرِ اليتامى

ويأكلنى الوصاةُ وهم صيامُ

أنا نَصلٌ على جُرْحى مقيمٌ

أعذِّبُنى وتنْكَأُنى العظامُ

أنا الرَّحالُ لم أسكنْ بوادٍ برجلى

قد ضربتُ وهم أقاموا

 الفيصل في العمل الأدبي بصفة عامة و القصيدة بصفة خاصة هي ما تحتويه من قيم يصدرها المبدع، و هذا هو الفرق بين القصيدة الذي نصفق له و ننساها بعد لحظات و بين القصيدة التي تبقى عالقة بالوجدان.. هذه الاستعارة البديعة الذي أوجدها شاعرنا و حركها بكل مهارة و حرفية، حينما جعل من ذاته ثمرة لشجرة اللغة، و هو هذا الحرف الذي لم يسلم من الوصاة، فامتدتْ أيديهم لتقذفه؛ كي يكون السقوط، و هم يدعون الصلاح؛ فالصيام كما نعلمُ جميعا فريضة التقوى من الله؛ لذا جاءت الدلالة كاشفة عن مدلولها .. تتابع الصور بكل أشكال الجمال و الفلسفة، فهذا الجرح نابع من الداخل؛ للحرص الشديد على التمسك بالمبادىء، ثم تتأصل الدهشة في وجدان الإبداع و الحكمة ( أنا المنفي من ذاتي لذاتي ) ليعمل كل صاحب رسالة أنه أصحب غريبا و قد تتعدى هذه الغربة حدود الأوطان إلى الغربة عن الذات.

وأبْياتى كما زَغَبُ البرارى

خِماصِيُّونَ لا بُطْنٌ طِعامُ

وَلَمْ يخدعْ عيونى شِبهُ شَيْءٍ

كَأَنَّ النَّاسُ راكعةً قيامُ

بربِّكِ يا عروسَ الغيبِ هِيئِى

لِشِعْرِىَ فالقصيدةُ لا تَنامُ

ويا لغةً تراوِدُنى غياباً

حلالكُ فى الغيابِ هو الحرامُ

في ختام القصيدة يدفع شاعرنا من جديد بالصور المتشابكة، فتأتي ألوان أبياته كما وصفها بأنها براعم لأزهار الصحاري أول بزوغها، ثم دفع بدلالة التوكل على الله، و هذا يتجلى في التناص الحاضر مع جزء من الحديث النبوي ( تغدو خماصاً وتروح بطاناً) و من بعده يجعل من عيون الجزم نظرة للمصاقية، و يأخذ بيدِ النداء و الدعاء للوقوف أمام أبوابِ السماء أن تفيضَ بمدادِ اللغة. أخيرا تظهر علاقة مبدعنا باللغة، كما تبدو لكل مبدع حقيقي؛ فمن يطمئن لها لا يجدُها و من يتعالى عليها تهجره أفكارها.. خالص تقديري للمبدع الكبير أمير القوافي و دام التألق و الرقي.

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى