معلومه ع الماشي

إنفصام فنى

إعلان

بقلم : كريم نور


تابع الجمهور العربى بشكل عام والجمهور المصرى بشكل خاص زيارة الفنان ” محمد صبحى ” لسوريا ، التى كانت منذ أيام والتقى خلالها بمسؤليين سوريين وعلى رأسهم ” نجاح العطار ” نائب الرئيس السورى ” بشار الأسد ” .


وكانت صورة ” الأسد ” تقبع خلف كافة لقاءات الفنان الرسمية وغير الرسمية ، وأدى ذلك لإصابة العديد من جمهور ” صبحى ” بصدمة كبيرة متساءلين ؛ كيف لفنان قدير مثله أن يؤيد ديكتاتور أراق دماء شعبه وهدم وطنه من أجل كرسى السلطة ، وكانت الصدمة أعمق لدى من على علم بتاريخ ” صبحى ” الفنى  ، خاصتا أعماله المسرحية والتى هاجم فيها نمط الإستبداد والتجبر من الحكام على المحكومين ، ومن أهم أعماله فى ذلك مسرحية ” تخاريف ” ، والتى اختتمها بفصل كامل تحت مسمى ” الديكتاتور ” لم تنقصه روعة الأداء والسخرية والهجوم الحاد على الحاكم المستبد .


ولكن من يتابع تاريخ الفنان ” صبحى ” جيدا سيجد أنه كان من أشد مؤيدى الرئيس الأسبق ” حسنى مبارك ” ، وأنه أثنى عليه فى أحد اللقاءات التى جمعتهم معا معددا مناقب الرجل ، معلنا أنه لا يوجد فى عصر ” مبارك ” أى سلبيات ، لكى يستطيع أن يجسدها فى أعماله الفنية ، رغم نقده لعصر ” مبارك ” فى أعماله بل سخريته من ” مبارك ” نفسه فى مسرحية ” ماما أمريكا ” .


وإذا انتقلنا إلى فنان آخر من فنانينا العظماء سنجد الفنان ” أحمد بدير ” الذى هاجم النظام بضرواة فى مسرحية ” على الرصيف ” ، وهاجم سياسة إنفتاح الرئيس ” السادات ” ؛ لكنه كان فى ذات الوقت مؤيدا لنظام ” مبارك ” بقوة والذى يعد بشكل أو بأخر إمتداد طبيعى لنظام ” السادات ” ، لدرجة انذرفت منه الدموع بشدة عندما اندلعت ثورة يناير وهددت عرش ” مبارك ” ، ثم أطاحت به فيما بعد .


وهناك العديد والعديد من الفنانين والفنانات الذين تبنوا فى أعمالهم الفنية أساليب الهجوم والنقد اللازع للأنظمة القائمة ، ومع ذلك كانوا يؤيدونها بشكل كبير على أرض الواقع .


والسؤال هنا كيف يستقيم ذلك ؟! أليس من الغريب أن يعلن الفنان رأى على الشاشة الفنية ثم يقابله برأي مخالف على أرض الواقع ؟! أليس من الغريب أن يهاجم الإستبداد فى أعماله الفنية ويحابيه ويؤيده ويدعمه فى تصرفاته الواقعية ؟! الفن من الأسلحة التوعوية ، التى يمكن من خلالها مواجهة التطرف والفكر المنحرف والإستبداد الفكرى والسياسى ؛ لكن لكى تكون الرسالة الفنية قادرة على التأثير الإيجابى ، وإتيان ثمارها بشكل فعال لابد ألا يصاب صاحبها بما يمكن تسميته انفصام الفن أو انفصال مواقف الفنان الفنية عن مواقفه الواقعية ؛ لأنه سيفقد ما لديه من مصداقية لدى جماهيره ومحبيه الذين عندما يشاهدون هذا الإنفصام فيمن يعطونه إعجابهم ووقتهم من أجل متابعة أعماله ، سيصابون بصدمة تؤدى بهم إلى أن يتهمه بعضهم أنه منافق أو جبان أو صاحب أوجه متعددة ….. الخ .


فقيمة الإنسان تكمن فيما يعتقد من مبادئ ومثل ( بضم الميم ) ، يدافع عنها ويؤمن بها وكل إنسان يدافع عما يؤمن به ، بما يمتلك من أسلحة مهنية ، فالكاتب يستخدم قلمه ، والجندى يستخدم سلاحه ، والفنان يستخدم فنه ، وقد يكون الفنان دوره الأخطر فى أوقات معينة ؛ لأنه يساهم فى تشكيل وجدان وعقول أجيال بأكملها بما يتضمنه من رسالة سياسية أو إجتماعية ففيلم ” جعلونى مجرما ” ، أدى إلى تغيير فى القانون الجنائي وألغى السابقة الأولى .


وكذلك مسلسل ” الليل وآخره ” الذى دفع البعض بعد مشاهدته إلى إعطاء الميراث لمستحقيه ، وإرجاع الحقوق لأصحابها ..


إلى هذا القدر يساهم الفن فى التأثير السياسى والقانونى والمجتمعى ، لكن يجب أن يخضع لمبادئ تدفع صاحب الرسالة الفنية أن يبعد تماما من أن يصاب بإنفصام فنى .

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى