فن

الهند وإثيوبيا والبرازيل في ندوة «تفكيك الفرضيات الثقافية والخطاب السائد فى المسرح» بالمعاصر والتجريبي

إعلان

 

كتبت : رحاب عبد الخالق

بدأت منذ قليل فاعليات اليوم الرابع والأخير من جلسات المحاور الفكرية المصاحبة لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمعاصر ، بالمجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا المصرية ، ودار النقاش حول عنوان «تفكيك الفرضيات الثقافية والخطاب السائد في المسرح ” والتي يتم مناقشتها عبر جلستين الأولى تحت عنوان «نقض الفرضيات الثقافية السائدة» و الجلسة الختامية تحت عنوان « الخروج من الخطاب السائد والبنى التقليدية إلى آفاق المعاصرة والتجريب» .

 

وترأست المحور الفكري الأول ” نقض الفرضيات الثقافية السائدة د. إيمان عز الدين ، وتحدث فيه كل من “مدافي مينون” أستاذ اللغة الإنجليزية و مديرة مركز الدراسات النوعية بجامعة Ashoka ، وإليسا بيليم وهي باحثة مسرحية وحاصلة على الدكتوراة فى المسرح وفن الأداء وعضو الاتحاد الفيدرالى للبحوث المسرحية- البرازيل ، و «زيرون بيرانو» حاصل على بكالوريوس في فنون المسرح من جامعة Addis Ababa في إثيوبيا .

 

وألقى «مدافي مينون» من الهند الضوء من خلال كلمته والتي تحمل عنوان “أربعة ألسنة : الرغبات المتعددة بعروض “تشوبولي” وهي عروض الحكي المسرحي في الهند ، من خلال نظرة تاريخية عن تاريخ ونشأة فن الحكي من خلال التفكير في العلاقة السياسية بين الشكل المسرحي والمضمون بمعزل عن المعايير المسرحية الثابتة ، كما يطرح العديد من التساؤلات حول المسرح و وكيف يمكن لمسرح الـ”داستان كوي” إدخال الدراما إلى حياتنا؟ .

 

وقال «مينون» أن كلمة “داستان كوي” هي كلمة فارسية توصف فعل الحكى (كوي) لقصة (داستان)، ويطلق على الحكاء الـ “داستان كو”… هو فن حكي فارسي من العصور الوسطى، انتهى به المطاف إلى الهند في القرن السادس عشر. “داستان كوي”، كتقليد شفهي، لم يعتمد فحسب- أو حتى في المقام الأول- على النص والحركة، وكان “داستان” هو الاسم الذي أطلق على مجموعة قصص تتشارك في بعض المواضيع التي تتضمن الحرب، الرومانسية، الاحتيال ودرجات متفاوتة من السحر. والسارد الجيد هو من يأخذ تلك المواضيع ويضعها في خليط يمزجه بمعرفته لصالح الحكي. تصر “داستان” على الإبداع اللفظي، ليس فقط في آلاف الأسماء التي توضع للناس وللأماكن، ولكن أيضا في الإحالات الأدبية وفى استخدام أجزاء من الأنواع الأدبية مختلفة اللغات والتقاليد.

 

وبسبب التزامها بتوجه مضاد للغائية، لا تصل “داستان كوي” إلى نهاية قصة دون بدء قصة أخرى في الوقت ذاته. نجد أن هذا يحدث أربعة مرات في قصة “شاهزادي تشوبولي” ، وحتى نهاية القصة لا تبدو فى هيئة نهاية.

 

تعلن القصة عن إبداعها اللفظي بدءً من التورية فى عنوانها؛ في اسم بطلة القصة: “تشوبولي”، حيث تعنى “بولي”: (لقد تحدثت). “تشوبولى” هو اسم أدائي أيضا؛ فهو يعنى (أربعة أحاديث)، وهو يشير إلى الشخص الذي يتحدث أربعة مرات.. تلك الرباعية في الخطاب هي الشرط الرئيسي الذي ترتكز عليه القصة.

 

إن نص “تشوبولي” هو ترجمة إلى الهندية و الأردية من الترجمة الإنجليزية الخاصة بكريستي ميريل عن نص الكاتب و الناشط الأدبي الراجاثاني “فيجيدان ديثا” والمبنى على حكاية شفاهية قد سمعها تؤدى، بترجمة هندية ذات تصريف راجاثاني على يد “كايلاش كابير”.

 

إن قصة “تشوبولي” هي مثال للتاريخ اللغوي المتنقل، الذي هو جزء لا يتجزأ من الـ”داستان كوي”، كما يوحى بذلك مسارها الموجز. لا تسافر الـ” داستان” عبر الدول والمناطق فحسب، بل تسافر أيضًا، وبشكل أخص، عبر اللغات والرغبات.

 

في الواقع، إن مسرح الـ”داستان” يستحضر بذلك نظرية مضادة لعلم الوجود والتى بموجبها لا يتوافق أبدا مع ذاته.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا ما كان يمكن للجمهور أن يحتفظ بامتلاكه لذاته عندما يصر العرض الذي قام الجمهور بالدفع لمشاهدته على استحالة وجود تلك الذات؛ فهل يمكننا الذهاب إلى المسرح والاستمرار في أن يكون لنا ذوات تمتلك رغبتها؟ هذا هو السؤال الذي يحرك “تشوبولي”. هل يمكننا أن نكون على يقين من يكون- ومن لا يكون- رجلا أو امرأة؟ وهل تحذو رغباتنا ذلك الحذو؟ وما هو الفرق الذي يحدث للجمهور عندما يعرض موضوع السرد امرأتين واقعتين في الحب بدلا من قصة حب متبايني الجنس المعترف بها؟ وكيف يمكن لمسرح الـ”داستان كوي” إدخال الدراما إلى حيواتنا؟ .

 

كما قامت «إليسا بيليم» الباحثة المسرحية البرازيلية بمناقشة كلمتها والتي جاءت تحت عنوان “إعادة صياغة السرد وتجسيد التخلص من بقايا الاستعمار «مشروع البرازيل» .

 

وقامت «بيليم» بتحليل عرض “مشروع البرازيل” للفرقة البرازيلية وذلك من خلال إطار نظري متجذر في الأفكار الخاصة بالتخلص من بقايا الاستعمار.

 

ودارت المناقشة حول عرض «مشروع البرازيل» مستمد من منظور خاص يستند إلى الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي البرازيلي في أمريكا اللاتينية.

 

كما تسعى عبر ذلك، إلى إظهار كيف أن هذا العرض يثير تساؤلات حول محاولات الإسكات والشعور بالدونية كبصمة للاستعمار.

 

مستلهمة كلمات “والتر مينولو” حول تأثير الاستعمار على الشعوب وبالتالي تأثيرها على الفنون المقدمة “التخلص من الاستعمار المعرفي والنفساني” من الممكن أن يؤدي إلى تغييرات جوهرية فيما يتعلق بالاقتصاد والسياسة وبالعلاقات الوطنية والعالمية كذلك. فمن وجهة نظره، أن “الجرح الإستعماري” يؤثر على الحواس والعاطفة والفكر.

 

بإتباع ما قاله “مينولو”، تبرز فكرة أن تحرير النفس شيء ضروري من أجل تطوير عملية التخلص من بقايا الاستعمار.

 

ومن جانب أخر يتناول «يرون بيرانو» موضوع تفكيك الأعراف الثقافية في المسرح الأثيوبي وإعادة قراءة لمسرحيتي ” الزائر” و “مساء الضوء” ، وهيمنة المسرح الأوربي على المسرح الأثيوبي وذلك من خلال التأثير على كل معطياته من تقنيات الإخراج والإضاءة والشكل المسرحي .

 

وذلك من خلال أعمال الكاتب الإثيوبي “تيكيليهاوريات تيكيليمريم”، بعد عودته من أوروبا في 1919، بكتابة مسرحيته الأولى و التي يقدم من خلالها المسرح الأوروبي للجمهور الإثيوبي ويساعد البلد في للوصول للحداثة. ولتبرير فرضياته، حيث أوضح في ملحوظته التمهيدية أن “كل من ذهب إلى أوروبا يعرف ما هو المسرح”
استمر التصور الأوروبي للمسرح، في رحلة المسرح الإثيوبي، بالتأثير ليس على موضوعات وكتابات المسرح فحسب، بل على تقنيات الإخراج والأداء كذلك.

 

بعد ما يقرب من مائة عام، بدأ المسرح الإثيوبي في تحدي الوضع الراهن ببطء، وإظهار أسلوب جديد في إخراج وكتابة المسرحيات والتي أصبحت لا تعرض بالشكل التقليدي الواقعي والشعبي لجماهيره.

 

كما أوضح «يرون بيرانو» كيف أن مسرحيتا ( “الزائر” و “مسار الضوء”) استطاعتا تحدي مفهوم المسرح وفن الأداء في اثيوبيا، وذلك عبر أسلوب اخراجهما و كتاباتهما الجديد. ويضيف أن المسرحيتين حاولت مواجهة الظواهر الراسخة، في المجتمع الإثيوبي، بقضايا رئيسية مثل الزواج، والحب، والهوية، والتاريخ.

 

مشيراً إلى أن استخدام المسرحيتين غير المعتاد لخشبة المسرح، والتمثيل، والتقنيات ومشاركة الجمهور جعل منهما موضوعًا ساخنًا للمناقشة والجدال بين جماهير المسرح.

 

كما أوضح «بيرانو» الأبعاد المختلفة التي حاولت بهما المسرحيتان تفكيك المعايير الثقافية والأساليب المسرحية في المشهد المسرحي الاثيوبي المعاصر، وذلك من خلال الجمع بين النظريات المسرحية والأدائية مع الدراسات الاجتماعية.

 

يذكر أن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي برئاسة د. سامح مهران يقام في الفترة من 19 وحتى 29 سبتمبر الجاري على مسارح القاهرة، ويحفل بعدد كبير من العروض المصرية والدولية، إضافة لتكريم نخبة من المسرحين المصريين والدوليين، وعقد ورش مسرحية بمدربين دوليين في مختلف عناصر العرض المسرحي، و تعقد على هامشه محاور فكرية لنخبة من الباحثين المصريين والدوليين ، منسق عام المهرجان المخرج ناصر عبد المنعم، مدير المهرجان د. دينا أمين، المديرتان التنفيذيتان د. أسماء يحيى الطاهر عبد الله، والفنانة منى سليمان.

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى