خبر عاجل

’’ أهدي براءة الاختراع لقاتلي’’

إعلان

خاص ع المكشوف

أدبيات الخويلدي
رؤية فلسفية
لنص الشاعر الكبير سمير قاعود ’’ أهدي براءة الاختراع لقاتلي’’
بقلم / أحمد منصور الخويلدي
مقدمة :_
متى يدخل النقد بوتقة الجمال..؟! كلَ سؤالٍ يتجاوزُ الدهشة متى كانتْ للإجابة دلائل معرفة!! الإبداع يكرمُ صاحبَهُ دون جائزة، يمنحُ الأرواحَ أفضل الأوسمة. محبة و ثقة… كل فكرةٍ تشبعُ ذاتها من ذاتها أولا، و تسامرُ الأفئدة بمنطقِ القبول.. هذه تجربة تجمع بين المنهج و الجمال. إذا لم نرسم للقادم نفحة وجود ، سيظلُّ الماضي يقروؤنا دون اِمتاع… نريدُ، و نريدُ.. الإرادة بمقياس الأمل زهرة عباد الشمسِ التي تدور في فلكَ الضياء،؛ حتى بالزمن الملبد رغم الغيوم، نحن نرمي بالجديد في صعيدِ الحداثة، نفهمُ أن رُوحَ المألوفِ كنزالمستفيد، و نحن يكفينا محبتكم و لن نزيد، و من محبتنا للرائع الكبير سمير قاعود، سنفتح ستار التكريم؛ ليقفَ المنهج بجوار الفلسفة بين صفوف الجماهير، يصفقا بضمير الإخلاص و الأمانة، دون مبالغة أو استهانة… إليكم عنوان النص، ثم القصيدة من خلال ثلاثة مقاطع.
*************
القصيدة من ديوان ( بساتين القنابل ) للشاعر الكبير سمير قاعود. هكذا جاء العنوان ليعصف على أوتار الفكر، البساتين مرتبطة بالخير و الجمال، فكيف لها أن تدفع بالمتذوقِ و سطَ ألغام الخراب و المتفجرات..؟! اتفقنا أن كلّ دلالة تمارس طقوسا للدهشة خلف حدود المعرفة، و الدلالة هنا تحصد من أمتنا المستباحة من ذاتها هذه الدهشة التي أثمرتْ عن فقد الرابط بينها و بين مبدعيها.. جاءت هذه البساتين تجني ثمار الأوطان التي أصابها عطب الجهل و القهر و الفقر؛ فوضعها في سلة الجمال، و أهدها للقتلة علهم يفيقون من غفلة الكراسي التي تشبعتْ بالدماء.. هكذا نجد الرمز بين عنوان الديوان، و عنوان قصيدتنا ’’ أهدي براءة الاختراع لقاتلي’’ تتابع مقصود من شاعرنا الكبير لخلق حالة من الدهشة؛ فمتى كان العطاء من الأموات…؟! ليستْ الدهشة هنا تنحني ضعفا. إنما تدور بفلك القوة، لأننا بالتأكيد لن نثأر يوما من أوطاننا و أهلنا مهما كان الظلم عظيما.
************
أهدي براءة الاختراع لقاتلي
…………………………………………
البحر أرهقه كثيراً
وابتسمْ
هزمته أمريكا على التلفاز ِ
” تيتانك “
وبكعبة الرواد حلق
فاحترقْ
بدأت مراسم الاحتفال..
كل الذين تورطوا في الحزن ِ
” لا خوفٌ عليهم “
ينزفون الآن فلسفة ً وسكرْ
وهو الذي
في كل طيات السحبْ
قرأ التبلد في عيون الأقوياءْ
من كل أنهار الغضبْ
شرب الخيانة
في كؤوس الأصدقاء
في كل أرض كان يسجدُ
والضلالة في جبين الأشقياءْ
************
البداية مع البحر، حيثُ الدفع بدلالة العمق، يصاحبها أمواج ترتطم بصخورِ التعب الشديد.. الشاطىء ابتسامةٌ للسخرية، و الهزيمة المعنوية التي سبقتْ كل الهزائم العسكرية. تخلينا عن ثقافتنا و مبادئنا، سرنا كالعميان نسبح في غثاء التكنولوجيا، و أصبحتْ حكاويهم الأسطورية حالة قائمة فينا، ففتحنا الأذرع فوق سفن الأجهزة دون رقابة، فبات المشهد الثقافي في منزلق للأسفل.. هذه الصورة التي أوجدها الشاعر في أول القصيدة، ليضعنا كالمصابيح على التوالي مع الرمز، يدفع بدلالة البحر.. أمريكا.. تيتانك.. الكعبة، و المسافة بينهما ليست بالكبيرة، إنها مسافة الموت الذي سنبدأ مراسم الاحتفال به. من هنا قذف المبدع بالتناص القرآني لتبدأ الهالة الجنائزية في نزيف الوجع، لكنه بدماء الجهل التي ترنحت و قادتْ الصبيان و الشيوخ إلى فلسفة التطرف الديني و الأخلاقي ، ثم يعود بهذا القتيل بين ضمير الغائب و الاسم الموصول، ليكشف عن حيثيات ما نحن فيه اليوم، فهذه السحب ترسل زخات التبلد المتبخر من رءوس الأقوياء، لتحدث طاقة مصبها أنهار الخيانة اليومية التي رسمتْ حدودها على المشهد العام، يشاركهم في ذلك خيانة الأصدقاء، ليبقى الشقاء صورة عامة لكل مثقف حقيقي احترم إنسانيته، فقرر الموت على قيد الحياة.
*********
ماذا سيفعلُ
ربما..
يقسو عليه البحر
كي يحنى الجباهْ
وبأي حرفٍ يختبئ
الأحمر الثوري ماء
الأبيض الثلجي مااااء
الأسود الكوني جاء
هزمته أمريكا على التلفاز
” تيتانك “
البحر يعشق وردتهْ
يرشو الحليب ليسكرهْ
هو لا يُسمي الله
إذ تم اغتصاب شواطئهْ
يُهدي تفاصيل الحرير ِ
إلى صعاليك القصاص ِ
و يصافح الأفكارَ
كالأمطار بالرصاصْ
يخفي الخناجرَ
************
يتلاعبُ بنا أستاذ الفلسفة وشاعرنا الكبير في رسم الدلالة نفسها بأشكال متباينة ، ففي كل موضع لكلمة بحر يظهر الوجه الآخر لها، بعدما يحاصرنا بالاستفهام، يتجسد لنا البحر في صورة الظالم الذي يدفعه للركوع، ثمَّ يستأنف الاستفهام لعب دور الكمبارس وراء ستارة عَلَم وطنه بألوانه الثلاثة ، و بروح الثورة البيضاء في تكرار لفظ الماء، و ها هو يدفع بدلالة البحر من جديد في ثياب العاشق لوطنه. من هنا يقذفنا إلى أمواج الفطرة التي ترفض التسليم رشوة الواقع، فإذا اقترب أحد من حدود الوطن، سيجد غير هذا المسالم، سينزع نفسه من موته و يظهر أفكارا تسابق طلقات المدافع، حتى و لو مات ألف مرة
**********
ما أروعهْ !
البحر أقوى
من تمارين الصباح
البحر أبهى
من ثريات الكفاح
يا كعبة الرواد
يا ألم الهدى
هذا جناه أنا علىّ
وما جنيتُ على أنا
وأنا الذي خدعتني
أرقام الضباب
ينمو بذاكرتي الألمْ
الآن كل يمامةٍ
في ثوبها ذبلتْ
الآن كل قصيدةٍ
في مهدها وُئدتْ
طفل الحقيقة
يرتدي فزّاعة ً
فيرى قناع الصبح ِ
مبتسماً لحراس العدم
وأنا أسير البحر
لا أخشى قيودهْ
لكنني
أخشى إذا سالت دمائي
يرتوي صمتي حدودهْ
أهدي براءة الاختراع لقاتلي
لو يرشف النفط المعتق
من نهود الأثرياء
لو يعزف النبض المغامر
للتفاضل والتكامل كالمساء
لو يبدأ البث المباشر
للعصافير العذارى
عندما تدعو السماءْ
أهدي براءة الاختراع لقاتلي
لو صدق الشعراء
والوزراء
أو بعض النساءْ
يا قاتلي ما أجهلك
هذى نهاية الاحتفال
مات الملك
هذا يقين الاحتمال
مات الملك
سأطوف بالرواد سبعاً
لن أشاهد تيتانك
*********
ماذا أقول لكَ مبدعنا..؟! لقد تلاعبتْ بنا الدلالة والرمز كثيرا؛ فبات هذا البحر يشتعل بالمد و الجزر بين التعجب و الدهشة، حتى لو حضرتْ الصورة في وسط الألم لتمارس معك تمارين الصباح و تدور في فلك الجمال و الكفاح. كنْ أقوى. كنْ أروع، لا تحمل نفسكَ فوق طاقتها. لَمَ تحتفظُ لنفسك بدور المجني عليه و الجاني..؟! أدركُ أننا تقع علينا المسؤولية الكبرى. تجاوز هذا الطواف حول تأنيب الذات. احتفظْ لنا برمز السلام، و ضع قلمكَ بمعجم الأحلام، و اصنعٍْ لنا من أدواتكَ غصن للقصيدة التي تعبر حدود ذاتها، لا تجعل من البحر وسيلة لاغراق الأمل، لا تجعل صمتك حصارا للابداع، هذا الطفل الذي راى الشروق لا تجعله يرتدي ثياب الغروب. سنكون معا في وجه أثرياء الحرب، نحن نداعب التاريخ بالفن ، بالعلم. اجعلوا الوزراء يثرثرون و لكل ملك النهاية، إلا مالك الملك، عنده مفاتيح الحالة … مات الملك، و سيأتي ملك و أنتَ لنْ تشاهد تيتانك.
****************
الخاتمة:
النقد بستان الجمال، و ليس أزهارا صناعية توضع في زهرية المجاملة أو الأجر. من هنا نجد أنفسنا مطالبون أولا بتغير وجهه لدى القارىء، ثم المبدع.. النقد إبداع موازي للعمل، يسير معه و به لفضاء الإبداع. يرسم ابتسامة التلاقي بين الحالة و متلقيها، دون فرض رأي أو أتجاه بعينه؛ فالكل شريك بفكره بداية من المبدع و المتلقي و اخيرا الناقد.
هذا النص للشاعر الكبير سمير قاعود هو من طرق أبواب الخيال و تركَ لكم الكثير من التأويل كي نستفيد جميعا.
أدبيات الخويلدي.. الإبداع يتحدث

مقالات ذات صلة

رأيك يهمنا شارك الان

زر الذهاب إلى الأعلى